لم أشهد في حياتي جنازةً في بلادنا أضخم من جنازة فقيد النَّقب والمجتمع العربيِّ والشَّعب الفلسطينيِّ النَّائب الرَّاحل سعيد الخرومي رحمه الله.
عشرات الآلاف من المحبِّين وصلوا من جميع أطياف شعبنا، ومن كلِّ أطراف بلادنا، ليشاركوا في وداع القياديِّ الكبير الرَّاحل عنَّا إلى جوار ربِّه الكريم.
فرحمات الله تعالى عليه، وعسى أن يكرم الله وفادته، ويحسن مثوبته، ويُسكنه أعلى منازل الجنَّة "في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدرٍ"، بإذنه وكرمه سبحانه وتعالى.
وتوالت الوفود في بيت العزاء، ووصلت برقيَّات التَّعازي من كلِّ مكانٍ، وفاءً لمن أحبَّ وطنه، وكلَّ أبناء وطنه، فبادلوه حُبًّا بحبٍّ، ووفاءً بوفاءٍ. وإنَّها ولا شكَّ ليست مفهومةً ضمنًا، لولا استشعار الجميع بحجم الفقد، ومكانة الفقيد في قلوب أبناء شعبنا جميعًا.
الأخلاق هي العنوان:
ما سرُّ هذه المحبَّة الكبيرة، الَّتي عمرت قلوب النَّاس، وغمرت مشاعرهم، وأشعلت عواطفهم تجاه الفقيد الغالي النَّائب سعيد الخرومي رحمه الله؟.
أظنُّ أنَّ الجميع قد عرفوه كما نعرفه، فخصاله معروفةٌ، ومناقبه مكشوفةٌ، ليس فيها تصنُّعٌ ولا ازدواجيَّةٌ، بل عفويَّةٌ وبساطةٌ وفطرةٌ فطره الله عليها.
كان دائم البِشر بشوشًا متفائلًا رغم المشاقِّ والتَّحدِّيات المستمرَّة.
وكان متواضعًا هيِّنًا ليِّنًا رغم المواقع والمناصب والمهمَّات الَّتي تقلَّدها.
يغضُّ الطَّرفَ عن زلَّات الآخرين ولا ينشغل بإثبات خطئهم ولا مناكفتهم.
يبني شراكاتٍ مع الجميع، ويبحث عن القواسم المشتركة معهم، ويعزِّز التَّعاون مع كلِّ أطياف مجتمعنا في الدَّاخل، بل مع من يلتقون معه على خدمة أهداف مجتمعنا من خارج هذا المجتمع.
شكَّلت شخصيَّته الجامعة محورًا لالتقاء جميع الأهل في النَّقب، على قيادةٍ موحَّدةٍ، ضمن لجنة التَّوجيه لعرب النَّقب، والَّتي قادت نضالات أهل النَّقب في السَّنوات الأخيرة.
مهنيَّته العالية، وعقلانيَّته الكبيرة، ورزانته المعهودة، ألزمت الآخرين دائمًا على التَّعامل معه باحترامٍ، وأوجبت عليهم الإصغاء لحديثه باهتمامٍ، وأخذ أقواله على محمل الجِدِّ، فكلامه قليلٌ ولكنَّه- في الغالب- يعني كلَّ ما يقول.
لم تُعرَف له خصوماتٌ، ولا حمل لأحدٍ أو من أحدٍ عداواتٍ، وكان حذرًا من أن يترك على نفسه مماسك وأخطاءً. ولذلك، لم يشتعل الإعلام بمناكفاتٍ له أو عليه، ممَّا جسَّد الصُّورة الإيجابيَّة عنه لدى الجميع.
أحبَّ جميع النَّاس، واحترمهم، وتفانى في خدمتهم، فأحبُّوه واحترموه، وجاءوا من كلِّ مكانٍ لوداعه والتَّرحُّم عليه.
فرحمة الله ومغفرته ورضوانه، على فارسنا الَّذي ترجَّل، وفقيدنا الَّذي ارتحل.
لا نقول وداعًا، ولكن إلى لقاءٍ على حوض الحبيب المصطفى وفي جوار الرَّحمن وجنان الرضوان بإذن الواحد الدَّيَّان، جلَّ جلاله وتقدَّست أسماؤه.
ولا نقول إلَّا ما يرضي ربَّنا سبحانه: "إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون".
2024/11/05 16:34
2024/10/27 21:33
2024/10/14 13:58
2024/10/11 10:05
2024/10/10 20:48