على الرغم من مرور أكثر من عشرة أسابيع على بداية موجة الاحتجاج على انقلاب الحكومة على النظام القضائي، وباستثناء جيوب تضامن متواضعة، فقد تجاهل هذا الاحتجاج حتى اللحظة العواقب التدميرية الوخيمة لهذا الانقلاب على المواطنين الفلسطينيّين، وتعميق الاحتلال الذي تعتزم الحكومة تحقيقه.
إنَّ تجاهل العلاقة المباشرة بين الانتهاكات المستمرة لحقوق الشعب الفلسطيني على جانبي الخط الأخضر والانقلاب على النظام القضائي، يعتبر أكبر دليل على أنَّ حركة الاحتجاج الحالية لم تخرج إلى الشوارع بهدف إنتاج ديمقراطية حقيقية ومواطنة جوهرية متساوية، بل من أجل الحفاظ على معادلة "يهودية وديمقراطية"، والتي تؤكّد على الديمقراطية الإجرائية القائمة والمستندة إلى مفهوم الفوقية اليهودية.
لطالما كانت إسرائيل دولة ذات نظام يهودي شديد الوطأة، وديمقراطية واهية وضحلة تسيطر على مصير أكثر من نصف سكان البلاد، أصحاب البلاد الأصليين. فقد كانت وما زالت حقوق المواطنين الفلسطينيّين فيها محدودة ومشروطة، مقارنةً بحقوق المواطنين اليهود. ونشهد في الوقت الراهن بأنَّ التصدّعات العميقة في هذا القناع الديمقراطي تهدّد أيضًا الحقوق الليبرالية والحريات الفردية للمواطنين اليهود، الذين يندفعون بقوّة إلى الشوارع تحت شعار الدفاع عن الديمقراطية. ومن نافل القول إنَّ هذه التصدّعات تهدّد بصورة أكبر الحقوق الجماعية للمواطنين الفلسطينيّين وتسعى إلى تعميق الاحتلال.
إنَّ الاحتجاجات ضد تقليص الحيّز الديمقراطي بمعزل عن السيرورات الاجتماعية والسياسية في المجتمع اليهودي هي التي أوصلت إسرائيل إلى هذه النقطة، بما في ذلك تغيّر النخب من نخب الصهيونية العلمانية إلى نخب الصهيونية الدينية الاستيطانية، وهي ليست سوى نزاعات بين المواطنين اليهود ونخبهم على السلطة والهيمنة، ولا علاقة لها بالنضال الحقيقي من أجل نظام ديمقراطي. إن توقّع مشاركة المواطنين العرب الفلسطينيين في هذا الصراع هو توقع غير واقعي، ووقح إلى حد بعيد. بالإضافة إلى الخلل الأخلاقي، فإن هذا التجاهل الواضح لاحتجاج المواطنين الفلسطينيين يخلو أيضًا من أي حكمة سياسية، كون إحدى النقاط الرئيسية في أجندة الحكومة اليمينية المتطرفة هي إلغاء التمثيل البرلماني للمواطنين العرب، وإذا غاب هذا التمثيل سيضمن اليمين هيمنته على الحكم إلى الأبد.
وعليه، يستمر المعسكر المناهض لبنيامين نتنياهو بنهجه العبثي ذاته ويتجاهل الضرر الجوهري الذي سيلحق بحقوق المواطنين الفلسطينيّين، تمامًا كما التزم هذا المعسكر نفسه الصمت في الماضي حول مظاهر العنصرية والتمييز ضد المواطنين الفلسطينيّين وتجاهل الاحتلال، بل وكان في أحيان كثيرة شريكًا متورطًا في هذا التوجّه السياسي، كما تصرّف على سبيل المثال بخصوص "قانون النكبة"، و"قانون لجان القبول"، و"قانون الجنسية"، وكذلك "قانون القومية" حتى وإن عبّر عن بعض التحفّظات الطفيفة.
إنَّ إفشال "خطة ليفين" فقط لن يضمن نظامًا ديمقراطيًا ولن يدفع بهذا الاتجاه. في مقابل "خطة ليفين"، يجب طرح نموذج بديل يقوم على الديمقراطية الجوهرية والمساواة لجميع المواطنين، لا ديمقراطية لليهود حصرًا. إنَّ محاولة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، إلى تلك الأيام التي كان فيها القناع الموضوع على وجه نظام الفوقية اليهودية أكثر إحكامًا، تعتبر محاولة فاشلة، لأنه من دون الخوض في الأسباب العميقة التي أفضت إلى صعود اليمين الفاشي، ستعود السياسة الإسرائيلية حتمًا إلى النقطة ذاتها مرة تلو الأخرى.
من أجل الخروج من هذه الحلقة المفرغة، يجب أولا الاعتراف بالتناقض البنيوي المتأصل بين نظام قائم على مفهوم الفوقية اليهودية، والسيطرة على مصير أكثر من نصف سكان البلاد أصحاب البلاد الأصليين، بالقوة والعنف، وبين نظام قائم على الديمقراطية الجوهرية والمساواة المدنية والقومية الكاملة، وتبنّي الخيار الأخير. لا وجود لسبيل آخر غير هذا.
2024/10/27 21:33
2024/10/14 13:58
2024/10/11 10:05
2024/10/10 20:48
2024/10/10 18:36