كتب: رمزي حكيم | القائمة المشتركة لم تكن وليدة لحظة الاعلان عنها، في ساعة متأخرة من ليلة الخميس الماضي، انما سبقتها حالة عامة، على المستوى الشعبي، دفعت باتجاه تحقيق اقامتها. بهذا المعنى يجوز القول ان المشتركة لم تقم داخل الوعاء التنظيمي المغلق، لأي تنظيم، ولا هي قامت داخل غرف المفاوضات. ولادتها الطبيعية كانت كامنة في التحديات التي تفرضها علينا المؤسسة الاسرائيلية، باعطاء فكرة الترانسفير شرعية قانونية وسياسية (قانون القومية ورفع نسبة الحسم)، وكانت كامنة ايضًا في الخرائط الاجتماعية داخل مجتمعنا، التي تميزت بتحولات مركبة ومتغيرات هائلة، الاحزاب كلها التقطت اشاراتها وعلامات متغيراتها، وبالتالي تشكلت معها وفيها حالة ضاغطة كانت بمثابة تأشيرة الدخول الى هذه التجربة، وهي، بحق، تجربة من نوع جديد!
ليس خفيًا ان ولادة المشتركة جاءت ضمن مسعى الاحزاب لتجاوز نسبة الحسم. لكن ان يكون هذا هو العنوان الوحيد، فهو اجحاف بحق الاحزاب، على اقل تقدير. ومن غير المنصف اكثر اشاعة مقولة ضمان الحفاظ على الكراسي. المسألة تتجاوز الكنيست الى ما هو ابعد من الانتخابات. والحدث، باهميته، هو أكبر بكثير من تحجيمه ووضعه في هذه الخانة الصغيرة. هذه القائمة تعبّر عن وحدة نضال الجماهير العربية مع قوى يهودية تقدمية وديمقراطية، في مواجهة "دولة الابرتهايد" واتساع الفاشية والعنصرية في اسرائيل، وهي الرد على ما يسمى بقانون القومية ودولة اليهود فقط، وهي ايضًا الرد على المسعى المتعاظم في تقويض شرعية وجود العربي ومواطنته في وطنه وحقه في التأثير السياسي.
قد تكون ارتدادات الحدث غير مرئية الآن. هذا طبيعي. وهو ناتج عن راهنية لحظة الولادة الطريّة. لكن يبقى الأمر الأساس ان القائمة المشتركة انهت مرحلة واعلنت عن بداية مرحلة جديدة، ليس فقط على مستوى علاقة الاحزاب ببعضها، انما على مجمل العلاقة بين الخرائط الحزبية والسياسية والاجتماعية، وعلى مستوى التفتيش عن أجوبة للكثير من القضايا الراهنة، والتي باتت ناضجة للبحث والنقاش، منها ما يتصل بتعريف ذاتنا، ومحاولة الاتفاق على بناء مؤسساتنا الوطنية، ومواجهة الآفات الاجتماعية الخطيرة، وبالتالي صياغة خطابنا من جديد واعادة تنظيم الوعي الجماهيري العام من جديد، ومنها ما يتصل بالعلاقة مع الدولة، ضمن خصوصية الفلسطيني في الداخل، والعلاقة مع قوى يهودية ديمقراطية ضمن المسعى لتشكيل اطار واسع، عربي يهودي، للتأثير على مجمل السياسة العامة لصالح قضايانا وهمومنا.
علينا ان لا نخطىء في التقدير. نحن امام حالة جديدة، تفاهمات الانتخابات فيها تؤسس لتفاهمات مستقبلية بين الاحزاب. من هنا قوة الحدث، كما اراه. فالمشتركة لم تُعلن لتكون فقط لغرض الانتخابات، ثم، من بعدها، تعود الاحزاب الى حالة القطيعة والتراشق. هذا كلام يتناقض مع منطق الحدث، ويصطدم مع ما يكمن فيه من تداعيات وتطورات ستفرض ذاتها مستقبلاً، فرضًا، على الجميع ودون استثناء. واذا كان اعلان القائمة المشتركة بمثابة نقطة فارقة في مسعى اختراق راهنية الفوضى والبحث عن افق جديد يتشكّل معه البديل بصياغات جديدة، ومن داخلنا، وبالاتفاق بيننا جميعًا، فان القائمة المشتركة تكتسب حيويتها وضرورتها بما شكّلته من نقطة تحوّل ستخلق معها آلية جديدة للحوار الجماعي المستقبلي، لا سيطرة فيها لفكر واحد، ولا هيمنة فيها لرأي واحد، وهي آلية ستدفع، بالضرورة، الى الامام، ومن الصعب العودة فيها الى الوراء، إن لم يكن من المستحيل، دون اغفال خصوصية كل تنظيم واطار وحزب، وهي خصوصية من الطبيعي ان تبقى ضمن تعدد وتنوع الافكار والاجتهادات، ومن الطبيعي ان تُطرح مستقبلاً على طاولة الحوار ضمن مجمل الاجتهادات في محاولة للوصول الى صيغة جماعية متفق عليها لترجمة تفاهمات الانتخابات الى ما هو ابعد من الانتخابات.
2024/11/05 16:34
2024/10/27 21:33
2024/10/14 13:58
2024/10/11 10:05
2024/10/10 20:48