ولد اسحق البديري في حي القطمون غربي القدس بينما كان العالم يتصارع في حربه العالمية الثانية. أبوه كان قاضيا في زمن الإمبراطورية العثمانية وترجع جذور عائلته في القدس للقرن الحادي عشر الميلادي حيث وصلت القدس بعد تحريرها من الصليبين على يد البطل صلاح الدين.
برزت عائلة البديري بدورها العلمي فمنها شيوخ المسجد الأقصى وعلماء الفقه ومن بعد المهندسون والأطباء وصيادلة، المحامون والقضاة، المعلمون ومدراء مدارس واساتذة جامعات، اعلاميون وصحفيون، عسكريون قادة وضباطا في الجيش.
كان عمره خمس سنين عندما شهد معارك حي القطون الأعنف في القدس بين العرب والصهاينة. دوي القنابل وطلقات المدافع وازيز الرصاص واصوات الانفجارات الناجمة عن نسف وتدمير المباني العربية يرن صداها في اذنيه صباح مساء. هاجرت العائلة لمصر ثم عادت لتستقر بالشطر الشرقي من المدينة المقدسة.
الطفل اسحق شاهد المظاهرات والغضب الذي خنق القدس وشارك في مظاهرات ضد حلف بغداد ومازال لم يبلغ الحُلم وهو يهتف " يسقط حلف بغداد ““يسقط الاستعمار ". إلا أن عام 1956 شكل وجدانه السياسي بتأميم قناة السويس وبدء العدوان الثلاثي على مصر ليحدد اتجاهه الفكري، طالبا لمعرفة وفهم أعمق لما يجري حوله في العالم الذي نسي بيته في حي القطون.
كانت والدته مرشدته ومعلمته الاولى، وكان الراديو خاصة صوت العرب مرشد الثاني ومن بعد الصحف والمكتبات ليكتسب ثقافة متنوعة وتقدمية متنورة وليفهم طلاسم الحياة التي بدت معقدة لكنها مع السنين تتحول لبساط مكشوف.
اهتم بقراءة كل الكتب غربية وشرقية، تراجم وأفكار وأيديولوجيات وحتى القصص والروايات الأدبية. درس في كبريات المدارس والكليات المقدسية في العمرية وعبد الله بن الحسين ثم للكلية الانطوانية القبطية ليتقدم لثانوية العامة المصرية وينطلق للقاهرة لتعلم القانون كجده من قبله.
أطل خلال في مصر على الافكار السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية لثورة يوليو وتابع عن قرب خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومشروع بناء السد العالي. واطلع على التطور الكبير الذي كانت تشهده مصر في مجال الثقافة وفي حركة التأليف والترجمة والنشر وتابع حركة التطور والنهوض الثقافي في مجالات الفنون والمسرح وصناعة السينما حين كانت الحركة الثقافية في مصر في خط تصاعدي كبير. كانت القاهرة منارة للثقافة والفكر في ستينيات القرن العشرين كما كانت تموج بالتيارات السياسية والفكرية والثقافية
وخلال دراسته في مصر اندلعت حرب يونيو 1967 بكل مآسيها وألامها، لم تكن تلك محنة الطالب الذي فقد وطنه فحسب بل محنة امة بأسرها. تلك كانت نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة في النضال لاستعادة الحق الضائع والارض المسلوبة.
في شهر تموز 1968 حصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة وعاد الى عمان حيث انتسب الى نقابة المحامين الاردنيين كمحام متدرب وعاد الى القدس في نهاية عام 1969 حيث واصل تدريبه ليحصل على اجازة المحاماة من نقابة المحامين الاردنيين، وآثر الانضمام الى المحامين المضربين عن العمل بسبب ضم القدس وطرد السلطة القضائية العربية من المدينة واحلال القوانين الاسرائيلية، وكان المحامون المضربون قد اتخذوا هذا القرار في حزيران 1967 بعد الاحتلال الاسرائيلي للمدينة
في عام 1970 بدأ العمل في الصحافة حيث عمل في صحيفة القدس لفترة لينتقل بعدها لصحيفة الفجر الناطقة باسم منظمة التحرير حيث كان مديرا لتحرير عندما زار الرئيس انور السادات القدس ومن بعدها وقع اتفاقيات كامب ديفيد حيث قامت الصحيفة بتعبئة الراي العام في المناطق المحتلة وعملت على تأكيد دور منظمة التحرير الفلسطينية في تمثيل الشعب الفلسطيني باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد. كتب الالاف من المقالات والتحقيقات الصحفية خلال التسع سنوات في عمله الصحفي.
وخلال عمله اهتم بالعمل المسرحي واسس مع زميله الراحل عطية ابو رميلة فرقة مسرحية اسموها المسرح التجريبي قدمت مسرحية توفيق الحكيم “الايدي الناعمة " وغيرها من الاعمال المسرحية.
في عام 1979 بدأت مقدمات مرحلة جديدة في حياته حين اجتمع مع المحامي زهير الريس وفيصل الحسيني ووضع الثلاثة معا الأفكار الأساسية والخطوط العريضة لإنشاء مركز للدراسات والابحاث والتوثيق في مدينة القدس الامر الذي أسفر فيما بعد لتأسيس جمعية الدراسات العربية التي كان مديرا عاما لها.
أشرف على تأسيس مكتبة متخصصة في مواضيع فلسطين ارضا وشعبا وقضية وفي شؤون وقضايا الوطن العربي والصراع العربي الاسرائيلي، وتولى مسؤولية الاشراف على انشاء قسم للوثائق الفلسطينية، وقسم اخر للمعلومات الصحفية، وقسم للشخصيات، وقسم للصور، لتكون مصادر ومراجع للباحثين والدارسين. شجع الباحثين والدارسين على نشر ابحاثهم ودراساتهم، وتم اصدار وترجمة وطباعة ونشر عشرات الكتب والمؤلفات. وتعرضت الجمعية وموظفيها منذ تاسيسها للملاحقة والاعتقال من قبل السلطات الاسرائيلية بسبب نشاطاتها الوطنية، وعقب اندلاع الانتفاضة الاولى في عام 1987 زادت المضايقات ووصلت الى حد اغلاقها لمدة أربع سنوات بتهمة خطورتها على الامن الاسرائيلي إضافة للاعتقال.
في عام 1992 وبعد انتهاء سريان عادت لممارسة دورها ونشاطاتها العلمية والاكاديمية في مجالات التوثيق وجمع المعلومات الخاصة بحقوق الانسان الفلسطيني وابحاث الاراضي والخرائط والمعلومات الجغرافية وتنمية الشباب والتخطيط والاحصاء وغيرها.
بالتوازي بدأ بتأسيس بيت الشرق مع الراحل فيصل الحسيني ليكون مديرا لمقر الوفد الفلسطيني لمفاوضات السلام الذي استفاد من كنز المعلومات والابحاث ليصبح بيت الشرق بعد قيام السلطة الوطنية هو العنوان السياسي والمرجعي لأبناء القدس في مختلف المجالات.
في اب 2001 وبعد شهرين على وفاة فيصل الحسيني قامت السلطات الاسرائيلية بإغلاق مبنى بيت الشرق وجمعية الدراسات العربية ومؤسسات فلسطينية اخرى في القدس، وقد واصل مهمته مديرا عاما لجمعية الدراسات العربية التي انتقلت للعمل على أطراف مدينة القدس وعمل على استمرار عملها ودورها، وتعزيز عمل مراكزها ودوائرها المختلفة رغم الحصار الذي فرض عليها بسبب سياسة الاغلاق المتواصل حيث يتم تمديد الاغلاق كل ستة أشهر.
اختير في عام 2002 عضوا مؤسسا في مؤسسة فيصل الحسيني وعضوا في مجلس ادارتها اكثر من مرة ففيصل كان رفيقه وصديقه وشريكه ووفاته أثرت عليه كما أثرت على القدس كلها إلا أنه لم يتوقف عن العمل
تفرغ للدراسة والبحث في موضوع القدس وشارك في عدد من المؤتمرات التي عقدت في الداخل والخارج بخصوص القدس. أصدر في عام 2018 مع زميله قاسم ابو حرب مصنفا هاما استغرق العمل عليها ما يقرب من خمس سنوات بعنوان " المشهد الحضاري في مدينة القدس " وهي تشمل المعالم الحضارية في المدينة المقدسة.
متزوج من السيدة هداية الكاظمي رئيسة جمعية الاتحاد النسائي العربي في القدس ووالد الصحفي والاعلامي أحمد البديري والصحفية والاعلامية جيفارا البديري والمحامية عروبة البديري.
2024/11/05 16:34
2024/10/27 21:33
2024/10/14 13:58
2024/10/11 10:05
2024/10/10 20:48