أخبارنا

أما آن الأوان أن يجرد الوطنيّون الدروز حسابا مع النفس ؟! | بقلم: سعيد نفاع


كل الاستطلاعات التي سبقت الانتخابات أظهرت على الأقل أن المقعد ال-13 (د. عبدالله أبو معروف) يتأرجح ولكنه واقعي ، الأمر الطبيعي كان أن هذا يجب أن يزيد عدد الأصوات عند العرب الدروز ولكن الحقيقة هي غير ذلك، كنت قلت في مقابلة إذاعيّة قبل الانتخابات أن الساحة العربيّة الدرزيّة ستشهد تراجعا في التصويت الوطنيّ وليس من باب التخمين، فجاء الرّد من على كلّ منبر الكترونيّ وكتابيّ وميدانيّ بالأقلام الدرّارة وبالأصوات الجهوريّة : "الساحة العربيّة الدرزيّة تشهد اختراقا غير مسبوق للمشتركة!"، وكل من قال غير ذلك انصبت على رأسه نار جهنم، لا بل أكثر من ذلك اتّهم وحيّد كالبعير الأجرب. 

فما هي الحقائق وبالأرقام الرسميّة من موقع لجنة الانتخابات المركزيّة في القرى الدرزية "الصرف" وذات الأغلبيّة الدرزيّة العظمى؟


الحقيقة الأولى : التدني في نسب التصويت.

التدني في نسب التصويت والذي بدأ قبل عدة دورات إلى حدود لم يشهدها الشارع العربيّ الدرزيّ سابقا، فكانت النسب عند الدروز هي الأعلى في البلاد وذلك بسبب التنافس بين مرشحين دروز على لوائح الأحزاب الصهيونيّة بدء بالمرحومين صالح خنيفس وجبر الداهش وانتهاء بصالح طريف وأسعد الأسعد، ولكن وقبل دورات عدّة ورغم كثرة المرشحين الدروز تدنّت النسب بشكل كبير وغير مسبوق، وللمثال: ففي انتخابات ال-2006 وصلت في الدالية إلى 47% وفي يركا 51%، وفي انتخابات ال-2009 بلغ عدد أصحاب حق الاقتراع الدروز 65540 صوّت منهم فقط 33620 أي 51%، تنافس عليها خمسة (5) مرشحين منهم الموقع أدناه وحلّ ثالثا للحقيقة والتاريخ.

 وما هو الحال اليوم انتخابات ال-2015 ؟

يركا %65 (منها مرشح)، الدالية %57 (منها مرشحان)، ساجور %54 ، عين الأسد %49 ، بيت جن %53 (منها مرشح)، حرفيش %52، كسرى سميع %65، يانوح جث %53% ، جولس %59. (هنالك مرشح إضافي من شفاعمرو غير المرشحين في أماكن غير واقعية في أحزاب أخرى)

أمّا الحقيقة الثانية: التراجع في الصوت الوطني.

بيت جن: انتخابات ال-2006 (التجمع 21%)  اال-2009 (التجمع %28 الجبهة %2 ومعا %30) ال-2013 (التجمع %7 الجبهة %3 ومعا 10%) ال-2015 (المشتركة 5.7%).    

جولس: انتخابات ال-2006 (التجمع %12) ال-2009 (التجمع %8) ال-2013 (الجبهة والتجمع%4) ال-2015 (المشتركة 5.5%).

حرفيش: انتخابات ال-2013 (الجبهة %3) ال-2015 (المشتركة %9).

يانوح جث: العام-2013 (الجبهة %3) العام 2015 (المشتركة 5.5%).

يركا: العام 2013 (الجبهة %39 والتجمع %3 ومعا %42) العام 2015 (المشتركة %36).    

وبالأصوات: ال-2006 (الجبهة والتجمع 7000-7500 صوت) العام- 2015 (المشتركة 4700-5000 صوت ورغم الزيادة الطبيعيّة).

هاتان الحقيقتان، حقيقة أن قرابة ال-%50 من العرب الدروز أو على الأقل غالبية هؤلاء  "قرفوا" من الأحزاب الصهيونيّة ومرشحيها، ولم ينتقلوا إلى الأحزاب العربيّة ولو من باب الاحتجاج، والتراجع الإضطرادي في الصوت الوطنيّ الدرزي منذ ال-2006، بحاجة إلى جرد حساب عسير لدى القوى الوطنيّة العربيّة الدرزيّة (الساسة والكتاب والشعراء والاكاديميين والمفكرين)، بعيدا عن الذاتيّات والانطواء.

أليس دور القوى الوطنيّة العربيّة الدرزيّة التعامل مع هاتين الحقيقتين؟! ألسنا بحاجة لحساب نفس لماذا لم نستطع أن نستقطب ولو حتى جزءا يسيرا منهم؟! والأدهى كيف يمكن تفسير التراجع في هذه الدورة (2015)وما قبلها (2013) عن التقدم الذي حصل في الدورات السابقة (2006و2009)؟! أوليس التشظي في الحركة الوطنيّة الدرزيّة وغياب الهيبة هو السبب؟! أم أن القضاء والقدر المسؤولان مثلا؟!

في دراسة كنت كتبتها ونشرتها أوائل شباط ال-2013 قلت من بين ما قلت:

"العرب الدروز بعد ال-48، كما هو معروف، هم حالة خاصّة في المشهد العربي الفلسطيني في بلادنا، ناتجة عن سياسة مؤسساتيّة مورست عليهم بتعاون الرجعيّة بينهم منذ عام ال-1948، بلغت الأوج عام ال-1956 حين نجح مخطط المؤسسة وأَبطلت عنهم الإعفاء من الخدمة العسكريّة الإجباريّة الذي كان ساريا عليهم كبقيّة الأقليّة العربيّة.

تتابعت حلقات مخطط العزل والفصل وضرب الهويّة وانعكس ذلك على مجمل الحياة وبضمن ذلك سلوكهم الانتخابي، وإن لم يختلف عن بقيّة العرب جوهريّا في العقود الأولى إذ صوتوا بغالبيّتهم للقوائم العربيّة المشتركة حينها والمرتبطة بحزب "مباي-العمل"، إلا أنهم ظلوا بغالبيتهم خارج تبلور التمثيل العربيّ الأصليّ: الحزب الشيوعي بداية ولا حقا القوائم العربيّة المختلفة، وما زال سلوك الغالبيّة منهم اليوم انتخابيّا خارج القوائم العربيّة، إذ تتقاسم الأحزاب الصهيونيّة غالبيّة أصواتهم لدرجة أن تندّر أحد المتندرين: "لو أن حمير اليهود أقاموا حزبا لوجدوا لهم بين الدروز مرشحين ومصوّتين!".

هذا مؤشر غربة فاقعة وعزلة ساطعة عن فضائهم وعن أي انتماء مبدأي، يطول الحديث في الخلفيّات والأسباب وليست هي في سياقنا الآن، اللهم إلا الإشارة إلى ظاهرة بين طبقة بينهم، لسخرية الأقدار كلها من المتعلمين، تتبارى وتتنافس  في شبك علاقات مع شخصيّات سياسيّة حزبية يهوديّة، فلكل عضو كنيست يهودي في حزب تابعٌ له "رجل تراه كالنخل وما أدراك ما بالدّخْل"، مقاول أصوات يجرّ معه عائلته تصويتا لهذا العضو في الانتخابات التمهيديّة ومن ثمّ البرلمانيّة وكلّ منهم يرى نفسه، على الأقل، عضو كنيست افتراضيّا".

وأضفت:

"لقد عالجت هذا السلوك الانتخابيّ دراسيّا عقب انتخابات ال2006 وانتخابات ال2009 وعلى خلفيّة النتائج غير المسبوقة التي حققها حينها التجمع وازدياد قوة الجبهة وخلصت إلى: 

"المعطيات جديرة بدراسة موضوعية لدى القوى الوطنية بعيدة عن " العوم على شبر ماء" ومن منطلق أسبابها ومنطلقاتها وضرورة وإمكانية الحفاظ عليها لتحويلها من مؤشر إلى بداية تحول، إلى تحول. نسبة التصويت في الوسط العربي الدرزي عادة هي من الأعلى في البلاد وأكثر من الوسط اليهودي، وذلك ناتج عن التصويت الشخصي، فالعرب الدروز الذين صوتوا للأحزاب الصهيونية لم يصوتوا مباشرة لها وإنما انطلت عليهم مؤامرة التصويت لمرشحين دروز في هذه الأحزاب (وأضيف اليوم أو وجود "أتباع" من القرية أو العائلة لهم مصالح في الأحزاب وعادة وظائف)، الأمر الأساس الذي رفع نسبة التصويت بينهم.

وظل مدى تأثير القوى الوطنيّة العروبية بينهم محدودا لأسباب موضوعية احدها أنها لم تلق الدعم الكافي المنهجي من الأحزاب العربية التي نشطوا فيها. فما معنى أن يمتنع عن التصويت حوالي نصفهم رغم أن الأحزاب الصهيونية شملت كذلك هذه المرة (عام 2006) مرشحين دروزا في قوائمها، هكذا فعلى حزب كديما وحزب العمل." ".

وزدت:

يمكن اعتبار انتخابات ال-2006 نقطة بداية هامة في التحوّل في السلوك الانتخابي للعرب الدروز إذ حصل التجمع كما أسلفنا قرابة ال-5000 صوت ونسبة فاقت ال 20% في بعض القرى وحصلت الجبهة على حوالي ال2000 صوت. هذه الأعداد وأخذا بالاعتبار نسبة الامتناع غير المسبوقة إذ لم تتعد نسبة المشاركة ال-50% في المغار ويركا والدالية وعسفيا التي تكوّن معا 60% تقريبا من عدد الدروز، نسبة امتناع ما زالت كبيرة وللمثال في ال2013 لم تتعد النسبة في المغار ال%39 أيضا.

هذان الأمران لا شك كانا بداية تحول له مدلولاته من ناحية ومن ناحية أخرى يضع مسؤوليّة تاريخيّة على القوى الوطنيّة العربيّة الدرزيّة، والعربيّة عامة إذا أرادت أن تصلح خطأ تاريخيا وغُبنا تاريخيا لحقا بنا كأقليّة قوميّة في هذه البلاد تصبو لتكاملها ولاعتراف بحقوقها القوميّة الجمعيّة.”

وخلصت إلى:

"بين القوى الوطنيّة العربيّة الدرزيّة رموز في الحركة الوطنيّة العربيّة العامة وفي الصّف الأول، ورغم ذلك لم تستطع حتّى الآن فعل اختراق جدّي في الساحة العربيّة الدرزيّة، صحيح أن هنالك ظروفا موضوعيّة تراكميّة عمرها عقود ولكن هذا لا يعني إعفاء من المسؤوليّة وبالذات على ضوء نتائج ال2006 وال2009 والتراجع في ال2013. ربّما تكون الفرصة سانحة الآن لإعادة تقييم جذريّ للعمل بعيدا عن الآراء المسبقة والانطلاق بترسيخ وحدة هذه القوى وترسيخ الإيجابيّ من المشاريع كمشروع التواصل مثالا لا حصرا، والخروج من أنماط العمل المحافِظة التقليديّة. وإني أدعو إلى لقاء يطرح الأمور بكل صراحة وشفافيّة يتلوه مؤتمر يؤسس لانطلاقة جديدة تكتيكيّا واستراتيجيّا."

هذه الدعوة والكثير من مثيلاتها قبلها وبعدها ظلّت يتيمة، فهل التراجع الذي حصل اليوم (انتخابات ال-2015) في الصوت الوطني ورغم وجود مرشّح "درزي" في مكان كان بحاجة إلى كلّ صوت، له ما يبرره؟! ألا يستدعي ذلك حسابا مع الأنفس لدينا كلّنا، رغم أننا كلّنا نعرف أين "التوك" ولكن ومن باب أنه لن يضع أحد العكر في زيته، فدعونا لمرّة واحدة كلّ يرى العكر الذي في زيته لعلّ وعسى.

ولعلّ، مثلا، الثلم الأعوج من "الثور الكبير" فلنترك للشباب المحاريث ولنكتفي (كلّنا) بحمل الفؤوس "نقلب البور" الذي يمكن أن يتركوه وراءهم نقصا في التجربة !        

 

bar_chart_4_bars مقالات متعلقة

مؤتمر المبادرة الاجتماعية الثالث: التمكين...

2024/11/05 16:34

بيان: اعتداء وحشي على الزعيم الوطني مروان...

2024/10/27 21:33

شروط الجيش لوقف الحرب مع حزب الله

2024/10/14 13:58

طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران؛ "الفجوات...

2024/10/11 10:05

مقتل 3 جنود في تفجير عبوة ناسفة شمال القطاع

2024/10/10 20:48