هناك صيغة أخرى للمثل أعلاه تقول: "نشّفت الميّ وبيّنت البلاعيط". والبلاعيط هي ما-قبل-الضفادع. لكن يجب تقديم صيغة ثالثة: "... وبيّنت القلاعيط". هذا موجز استعاري لبعض نتائج الانتخابات. أما بعضها الآخر، المتعلق بالجماهير العربية وحلفائها، فهو على النقيض التام: لقد تم وضع بصمة تاريخية لن تُمحى بسهولة. وللموضوع عودة موسّعة.
سقف واشنطن وسطحنا
منذ الجمعة الماضي، قبل الانتخابات بأيام، بدأ يراودني السؤال: بأية صيغة سيكرر نتنياهو ما فعله عام 1996 حين أطلق شعار "بيبي جيد لليهود" آخر أيام الانتخابات، فغذّى الغرائز العنصرية وحصد الأصوات حصدًا؟ وجاء الجواب سريعًا واضحًا: التخويف من تصويت العرب "المنهمرين الى الصناديق". بالضبط كما فعل الفاشيون مرارًا مستخدمين بعبع اليهود في أوروبا.
وعلى هذا، يستحق رئيس الحكومة الساقط/العائد لقبًا إضافيًا: زعيم عصابة التحريض على العرب. أقترح إلصاق هذا اللقب به في كل مرة يُذكر اسمه، إلى أن يعتذر لنا. حتى لو كان هذا اعتذارًا شكليًا لا نصدّقه. وإذا كان عش دبابير الامبريالية، البيت الأبيض، قد وبّخه على هذا التحريض، فما المنتظر من أصحاب الشأن؟ إذا كان البيت الأبيض رفع هذه القضية الى السقف فيجب علينا أخذها فوق السطح. لأنه من غير المعقول أن يكون سقف تعاطينا أوطأ من سقف واشنطن حيال عنصرية عصابة الفاشيين الاسرائيليين بزعامة نتنياهو ضدنا.
قبل أن يتعشى زعيم وعصابة التحريض علينا يجب أن نتغدى عليهم. من واجب تحالف القائمة المشتركة الآن تنظيم "مليونية" بحجمنا النسبي وبحجم يوم الارض والنكبة وأكتوبر كي نقول للعنصري ما يجب قوله. سيكون هذا استفتاء على أمرين: على أن بقاء سلطة عنصريي اليمين لا يرعب جماهيرنا وحلفاءها اليهود غير الصهاينة أبدًا؛ وعلى أن القائمة المشتركة قصدت ما قالته بأنها أكبر من مسألة الكنيست. تفضلوا، لنتفضل كلنا معًا، لفعل هذا فورًا.
التصعيد بالتصعيد
كالجميع، تقريبًا، كانت فرضية عمل القائمة المشتركة وجماهيرنا عمومًا هي أن الأغلبية لن تكون لليمين، وبالتالي هناك مساحة مناورة لممارسة تأثيرنا على حكومة وسط-يسار. هذه الفرضية من ورائنا الآن. قبلها تحدث البعض عن سيناريوهات منها: ترؤس لجنة الداخلية البرلمانية أو لجنة التعليم البرلمانية، مقابل التنازل عن الحق في عضوية لجان ينظر الاسرائيليون اليها بحساسية وخوف (عليها منّا) كالخارجية والأمن ورقابة الدولة.
ما كان قبل نتائج الانتخابات يجب أن يختلف عما بعدها. إذا كان التوجه قبلها هو التنازل الطوعي عن اللجان الحسّاسة مقابل تعويض ملائم، فالآن يجب إزالة هذا المقترح عن الطاولة. صعود اليمين وتصعيده لا يقابَل سوى بالتصعيد. نريد الخارجية والأمن ورقابة الدولة وكل ما ينص عليه القانون لنا، وتفضلوا نتفاوض حتى جفاف الحلوق. وتعالوا نتفق لكن بمقابل باهظ. إذا أردتم غيّروا القانون وزيدوا من مساحة مؤخرتكم العنصرية المكشوفة. يجب تنشيف دمهم الثقيل حتى النهاية والسلوك معهم كتاجر لحوح حاذق بارد الأعصاب عديم الحسّ ودائم الابتسام بصفراوية.
خيبة الإعلاميين المنعشة
على الرغم من كل شيء يمتلئ صدري بالفرح على رؤية فشل وخيبة المعلقين والمراقبين والمحللين الاعلاميين الاسرائيليين، ربما ما عدا واحد او اثنين. هذا الرهط المغرور مفرط الثقة بنفسه حدّ الحمْق كان بحاجة الى هذه الضربة على أنفه المتورّم علّه يستيقظ ويتواضع.
هذه الخيبة هي ثمن شخصنة الأمور وتسليعها وعرضها وبيعها في سوق حرّة وجعل السياسة مناطحة ديوك بدلا من عراك سياسي على توجهات وقيم وبرامج. هنا فاز خبير التسويق السريع من شركة "ريم" سابقًا..
هذه الخيبة هي ثمن التستر على دفن القضية الفلسطينية واستحقاقاتها وتجاهل القمع الاسرائيلي الوحشي المتواصل للشعب الفلسطيني، واقصاء جريمة الاحتلال من جدل هذه الانتخابات. اليمين الواضح ابتلع قوائم تسمي نفسها وسطًا لكنها تتحدث عن الفلسطيني باللغة الاستعمارية نفسها. ففاز الأصل على كل النسَخ.
هذه الخيبة هي ثمن الخطاب الأبيض الذي لا يستحضر العربي والشرقي والروسي والاثيوبي وابن الجليل وابن النقب الا كقطع ديكور، متفاوتة القيمة والحضور، دون أي تعاطف حقيقي مع قضايا وهموم أيّ ممن لا يقع ضمن خانة النخب الاسرائيلية الحاكمة في المجالات كلها.
جميع هذه السلوكيات والمواقف شكلت الثغرات التي استغلها بنيامين نتنياهو وتسلل منها.
أيها الأغبياء، هل يوجد أفضل لنتنياهو من تحريره من الخوض في قضية ثمن الاحتلال والاستيطان الفادح على الاسكان والعمل والتعليم والصحة وغلاء المعيشة (وعلى الأخلاق طبعا، لكن هذه مسألة ثانوية في اسرائيل 2015)؟ هل يوجد أفضل من هذه الهدية؟
هل يوجد أفضل لنتنياهو من إشعال الغرائز والمخاوف لدى الأطراف التي يتم استثناؤها واقصاؤها عن كل مركز في الفعل السياسي والخطاب الاعلامي؟ هذا كنز، هذا بحر زاخر بالمكاسب بالنسبة لكل سياسي عديم الاخلاق والمسؤولية. ونتنياهو "ذيبك" في هذا!
القائمة المشتركة "فرصتنا" فعلا. ليس للوصول من بلداتنا الى الكنيست فقط بل، للوصول من الكنيست الى بلداتنا. ولنشمر عن سواعدنا ونعيد معالجة أمورنا وقضايانا المحلية بأدوات التنظيم السياسي والعمل السياسي. عودة/بقاء حكم اليمين يزيد الأمر ضرورة.
نقطتا ضوء في اليمين
نقطتا ضوء وحيدتان تلوحان في حكومة اليمين الآخذة بالتشكل. السيناريوهات والتسريبات تقول: أرييه درعي من شاس الى وزارة الداخلية، ويعكوف ليتسمان من يهدوت هتوراة الى وزارة الصحة (كنائب وزير بمكانة وزير). إذا صحّت هذه التوقعات، فهذه أخبار طيبة (نسبيًا طبعًا، نسبيًا!). هذه هي الأخبار الطيبة الوحيدة للعرب. لأن المذكورَين قادمان من مجتمع مستضعف ومن خارج مركز الهيمنة الاسرائيلي المقيت. أهل الهوامش يفهمون على اهل الهوامش الأخرى. ومَن يعلم، فقد يتحلون ببعض النزاهة نحوهم أيضًا.
2024/11/05 16:34
2024/10/27 21:33
2024/10/14 13:58
2024/10/11 10:05
2024/10/10 20:48