في مثل هذا اليوم عام 1987، اغتيل رسام الكاريكاتير الفلسطيني "ناجي العلي" على يد شاب مجهول أطلق النار عليه في أحد شوارع العاصمة البريطانية لندن، حيث تلقى رصاصة في رقبته من الخلف في وضح النهار بينما كان يترجل من سيارته إلى عمله في مكتب صحيفة “القبس” الكويتية في نايتسبريدج، ليمكث في غيبوبة لأكثر من شهر حتى وفاته في مستشفى تشارلنغ كروس، وتم دفنه في لندن رغم طلبه أن يدفن إلى جوار والده في مخيم عين الحلوة.
جريمة عمرها 32 عاما لا يزال لغزها بلا حل، القاتل بلا ملامح باستثناء صورة تقريبية لهوية منفذ عملية الاغتيال عرضتها "سكوتلاند يارد" إلى جانب صورة للمسدس الذي استخدمه القاتل بجريمته، ولاتزال الشرطة البريطانية حتى يومنا هذا تطلق نداء في كل عام للحصول على معلومات بشأنه، على امل ان "يشعر شخص ما بقدرة أكبر على التحدث بحرية " بحسب آخر نداء لشرطة "سكوتلاند يارد".
ولد "ناجي سليم حسين العلي" عام 1937 في قرية الشجرة الواقعة بين طبريا والناصرة، وهاجر مع عائلته إلى جنوب لبنان بعد احتلال فلسطين عام 1948، وعاش في مخيم عين الحلوة، وتعرض للاعتقال من قبل القوات الإسرائيلية عندما كان صبي لنشاطاته المعادية للاحتلال، فقضى أغلب وقته داخل الزنزانة يرسم على جدرانها، وكذلك قام الجيش اللبناني باعتقاله أكثر من مرة وكان هناك أيضاً يرسم على جدران السجن، ثم سافر إلى طرابلس ونال منها شهادة ميكانيكا السيارات، ثم التحق بالأكاديمية اللبنانية عام 1960 ودرس الرسم فيها لمدة عام.
تزوج ناجي من وداد صالح نصر من بلدة صفورية الفلسطينية وأنجب منها أربعة أولاد هم خالد وأسامة وليال وجودي، أعاد ابنه خالد إنتاج رسوماته في عدة كتب جمعها من مصادر كثيرة، وتم ترجمة العديد منها إلى الإنجليزية والفرنسية ولغات أخرى.
تميز العلي بالنقد اللاذع والسخرية السوداء، عبر أربعين ألف رسم كاريكاتوري كانت تأخذ شكلا تحريضيا حينا، وشكلا ثوريا حينا آخر، كما يقول عن رسوماته، واكتشفه القاص والروائي والصحافي الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني بعد أن شاهد رسوماته أثناء زيارته لمخيم عين الحلوة، فنشر له أولى لوحاته في مجلة “الحرية” عام 1961 وكانت عبارة عن خيمة تعلو قمتها يد تلوح.
رافقت جميع رسومات ناجي، شخصية الصبي “حنظلة” والتي تمثل صبيا في العاشرة من عمره، ويرمز للفلسطيني المعذب والقوي، ورغم كل الصعاب التي تواجهه فهو شاهد صادق على الأحداث لا يخشى أحدا وغير مكترث، أدار ظهره للعالم ويديه خلف ظهره.
يقول ناجي إن "حنظلة" ولد مع حرب الخامس من حزيران/ يونيو 1967، مؤكدا إن "حنظلة" هو بمثابة "الأيقونة التي تمثل الانهزام والضعف في الأنظمة العربية"، وعن "حنظلة" قال أيضا: "ولد حنظلة في العاشرة في عمره وسيظل دائما في العاشرة من عمره، ففي تلك السن غادر فلسطين وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون بعد في العاشرة ثم يبدأ في الكبر، فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء، كما هو فقدان الوطن استثناء".
وأما عن سبب تكتيف يديه فيقول ناجي العلي: "كتفته بعد حرب أكتوبر1973 لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة، وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأمريكية في المنطقة، فهو ثائر وليس مطبع"، وعندما سُئل ناجي عن موعد رؤية وجه "حنظلة" أجاب: "عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته".
حاز ناجي العلي على عدد من الجوائز والتكريمات خلال حياته وحتى بعد وفاته، تقديراً لمكانته وامتناناً لعطائه الفني، حيث حصل على جائزة "قلم الحرية الذهبي" في عام 1988من قبل الاتحاد الدولي لناشري الصحف ؛ وكان أول رسام كاريكاتير وأول عربي يحصل عليها، وتسلم الجائزة (بدلاً منه) ابنه خالد في إيطاليا، وهو أول صحافي عربي ينال تلك الجائزة،و في عام 1988 وصفه اتحاد الدولي لناشري الصحف بأنه أحد أعظم رسامي الكاريكاتير منذ القرن الثامن عشر، وتم إطلاق اسمه على أحد المراكز الثقافية في مدينة بيروت، وأقامت جريدة "السفير" مسابقة في الرسم الكاريكاتوري أطلقت عليها اسم مسابقة ناجي العلي للكاريكاتير، كما شاركت رسوماته في عشرات المعارض العربية والدولية، وأصدر ثلاثة كتب في الأعوام 1976-1983-1985 حيث ضمت مجموعة من رسوماته.
دفن الشهيد ناجي العلي في مقبرة بروك وود الإسلامية في لندن وقبره يحمل الرقم 230190 وقبره هو القبر الوحيد الذي لا يحمل شاهدا ولكن يرتفع فوقه العلم الفلسطيني.
2024/11/05 16:34
2024/10/27 21:33
2024/10/14 13:58
2024/10/11 10:05
2024/10/10 20:48