السؤال الأهم الذي أحاول الإجابة عليه هو: هل حقّقت الحملة أهدافها؟ ولكي أجيب على هذا السؤال، عدت لمقترح الإستراتيجية الذي قدّمته للطاقم الإعلامي-السياسي المسؤول عن الحملة، والذي تمّ تبنيه وبنينا عليه الحملة بكل مراحلها.
أنا متأكد من أنّ استعراض هذه الإستراتيجية ومراحلها، ولو باختصار شديد، هي خطوة مثيرة لكل المهتمين بالتسويق السياسي والحملات، وستجيب عن أسئلة عديدة وجهها مهتمون خلال الحملة ولم يكن لدينا الإمكانية للإجابة كون ذلك الأمر ينافي المهنية، فلا توجد حملة تشرح نفسها في خضمها.
الأهداف بالأرقام: زيادة نسبة التصويت 30 % وتحقيق 430 – 470 ألف صوت
الهدف الأساسي للحملة، التي استوعبنا في تخطيطها كافة الاستنتاجات من الحملات السابقة، ودرسنا بدقة أنماط التصويت والسلوك السياسي لمجتمعنا، كان رفع نسبة التصويت عند المواطنين العرب من 56 % إلى 70 %، وزيادة نسبة المصوتين للقائمة المشتركة عن نسبة المصوتين للقوائم العربية بنسبة 30 %، وهو هدف أشبه بزيادة حزب جديد على الساحة السياسية.
وللدخول أكثر في الأرقام وحتى نفهم بشكل أعمق الإمكانيات الفعلية المنطقية لرفع نسبة التصويت وتحديد السقف الكمي المنشود للأصوات الممكن تحقيقها، أضع بعض المعطيات المركزية: يبلغ عدد أصحاب حق الاقتراع العرب ما يقارب 800 ألف صوت، وحسب معطيات دائرة الاحصاء المركزية فإن 10% ليست لديهم إمكانية التصويت، لسبب أو لآخر او لا يتواجدون في البلاد . كما يشمل عدد أصحاب حق الاقتراع ما يقارب 80 ألف صوت من الطائفة المعروفية، وهو ما يقارب نسبة 10% من مجمل اصحاب حق الاقتراع العرب، وقد رأينا أنّه من الصعب، حاليًا، تحديد هدف أكبر من 25% من أصوات الطائفة المعروفية للقائمة المشتركة.
هذا، ومن المهم أيضًا أن نضيف إلى هذه المعطيات وجود نسبة 5-8% (حسب الاستطلاعات العلمية) من أصحاب حق الاقتراع هم من جمهور المقاطعة الأيدلوجية، والذي لم تعتبره الحملة جمهور هدف لها بالمفهوم التسويقي المباشر. كما أنّ الأحزاب الأربعة المكوِّنة للقائمة تحمل طرحًا سياسيًا وطنيًا وهو، رغم كونه يلقى تأييد جماهير واسعة من شعبنا، إلا أنّه يحدّد إطارًا لجمهور المصوتين إذ أنّ هناك فئات اجتماعية معينة لا تفضّله لأسبابها المعروفة.
بعد دراسة المعطيات والتوقعات وضعنا هدف زيادة 30% مما حصلت عليه الاحزاب العربية في الانتخابات السابقة وتوقعنا هدف كمي للأصوات: 430 – 470 ألف صوت.
الإستراتيجية: إيجابية هادئة جمهورها غير المحزبين تسعى لإشباع فوري
لتحقيق هدف الحملة اقترحت إستراتيجية إيجابية غير اعتيادية وهادئة نوعًا ما (تبتعد عن مهاجمة أي طرف) تتركّز في التوجّه لجمهور: غير المحزّبين، اللامبالون والمقاطعون سياسيًا (ميزناهم عن المقاطعين إيدلوجيًا، كونهم مقاطعين بسبب عدم الوحدة او قلة التأثير).
لهذا الجمهور ميزات عدة، يجهلها البعض او يتغاضى عنها، تميّزه عن جمهور الأحزاب، ومنها أنّ جزءًا كبيرًا منه غير مسيّس وغير مبالي بالإيدلودجيات وغيرها من الميزات في هذا الإطار. عندما نختار جمهور هدف في الحملات علينا أن نركّز فيه، وأن نأخذ بعين الاعتبار مميزاته وأية شعارات أو لغة حملة ممكن ان تلائمه وتؤثر عليه. في حالتنا كان علينا أن نركّز في الجمهور غير المحزّب وغير المسيّس وليس في مهمة اشباع الرغبات الأيدلوجية للكوادر الحزبية، مع الحفاظ على إطار طرح سياسي مقبول على الجميع في حدّه الأدنى، وذلك من منطلق واضح أن كل ما جرّب في السابق لم يحقّق هدف زيادة نسبة التصويت من الجمهور غير المحزّب، ولأنّه في نهاية الأمر مهمتنا في التسويق الانتخابي هي تحقيق الأهداف الانتخابية.
الاساس العلمي، الذي بنيت عليه الحملة، كان "صناعة ماركة قصيرة الامد- Short Term Branding" تعتمد على إرضاء فوري للناخبين، بحيث يرتبط الجمهور بتحقيق هدف يحصل عليه فور إعلان النتيجة وليس هدف مستقبلي! ولتحقيق هذا الهدف كان من الضروري اختيار هدف لم ينجز من قبل ولهذا اخترنا: "أن نكون قوة ثالثة" كهدف واحد وإنجاز تاريخي ممكن قياسه ورسالة اعلانية واحدة، يرتبط بتحقيقها جمهور الهدف. وبشكل غير رسمي من خلال حملات شعبية (15 احنا قدها - اشارة الخمس اصابع في ثلاثة ايدي ) رفعنا سقف التحدي بعدد الأعضاء.
من المهم أن أذكر أنها نفس إستراتيجية اوباما والتي كان هدفها إنجاز تاريخي برئيس أسود للولايات المتحدة، ونفس استراتيجية يائير لابيد بخلق تمثيل كبير للطبقة الوسطى لأول مرة في اسرائيل في الانتخابات السابقة. كان من الضروري عندنا التركيز على هدف واحد أساسي وعدم تشتيت الناخب بكثرة الاهداف والرسائل الاعلانية.
وعلى هذا الأساس، تكوّنت الإستراتيجية من 3 مراحل: 1. Branding وتثبيت الفكرة 2. تقوية ونقل الحملة الى الناس 3. تحريك للتصويت .
المرحلة الأولى: منتج سياسي جديد يريده الشعب
في المرحلة الأولى بنينا الBrand الجديد "القائمة المشتركة" مع أسماء وألوان الأحزاب المشتركة فيها كي نستقطب ونثبّت جمهور الأحزاب ونؤكّد التعددية، واخترنا شعار اسم الحملة "إرادة شعب" كي نؤكّد أنّها تحقيق لمطلب شعبي وكذلك بأنها ستكون تعبير عن إرادة الناس بالانتخابات وبعدها.
إستراتيجية المضمون في هذه المرحلة تركّزت في تأكيد أهمية الوحدة لضمّ الجمهور غير الحزبي. لقد لاحظنا أن عامة الناس تماهت مع شعار القائمة والحملة أكثر من جمهور الأحزاب المعتاد على حملات بلون حزبه وشعاراته .
الخط الاعلاني الأول كان غير تقليدي ولم يشمل المرشحين وتركّز بمضمون "هم واحد صوت واحد" لكي يتعالى الهدف الوحدوي السامي عن الخلاف، والحديث عن الوسيلة والاشخاص، كما أشرنا للوحدة في مواجهة العنصرية وتذكير بشعار "الموت للعرب"، وقد أحدثت اللافتة التي حملت هذا المضمون ضجة إعلامية جماهيرية ملفتة.
لقد حولت الحملة، وبفترة قياسية، منتجها السياسي الجديد إلى ماركة سياسية قوية. في نهاية هذه المرحلة أشارت الاستطلاعات الى ارتفاع المشتركة من 10.3 مقعد ( معهد ستات نت – تاريخ 422015) الى 12 مقعد ومؤشر زيادة ثقة الناخب في الرغبة بالتصويت لها!
المرحلة الثانية: القوة الثالثة كهدف واضح، وزخم في الإنتاج الإعلاني
أما في المرحلة الثانية فقد بدأنا بنشر صور المرشحين من مختلف الأحزاب معًا وأطلقنا شعار "إحنا مع بعض أقوى" واعتمدنا استراتيجية مضمون وخط اعلاني يرفع معنويات وثقة المجتمع العربي وطرحنا الهدف بوضوح "أن نكون قوة ثالثة"، وبدأنا بإصدار النشرات والإنتاجات الدعائية بكثافة أكثر مع أغنية "باسم الشعب" التي حصدت مئات آلاف المشاهدات واغنية تامر نفار التي توجهت لجمهور هدف جديد بطريقته واغنية و.ض.ع.م التي كان الهدف منها ترسيخ الحرف في ذهون الناس بشكل ابداعي، وتواصلنا ونشرنا دعم اشخاص بارزين من فنانين ومثقفين ورؤساء مجالس واضداد، وتلاها فيديوهات المرشحين وتطبيق فيسبوك لتغيير صور البروفيل وفيديوهات ابداعية بمستوى عالٍ.
كما أصبح جمهورنا يطلق حملاته الخاصة والمبدعة باختلاف المضمون وتوحيد الهاشتاج # إرادة_شعب، وذلك بزخم كبير ومتسارع مع اقتراب يوم الانتخابات، واشتداد وتيرة العمل الميداني، من منطلق قناعة بأن أثر الدعاية محدود زمنيًا وسريع النسيان، ولذا تركنا الكثير من المنتجات الدعائية القوية للأسبوع الأخير وحتى الأيام الأخيرة، التي كنّا فيها في مرحلة التحريك للتصويت بشكل مكثّف.
أثناء هذه الفترة كنا نرتفع اعلى من 13 مقعد في الاستطلاعات.
تحديات: وقت ضيق وتشكيكات وهدوء غير معتاد في الانتخابات
لقد انطلقت الحملة مواجهة تحديًا أساسيًا وهو ضيق الوقت، والضرورة المهنية لتقسيم المراحل بالاعلانات والمضامين حسب الفترة الزمنية الضيقة، كما انطلقنا مع وضع يشمل، رغم تأييد الجماهير للوحدة بشكل عام، حالات من عدم الرضى وتشكيك فئات في القائمة (وحدة كراسي وما شابه)، واختلافات بين جمهور الأحزاب، ووجود شروخات أيدلوجية بين بعض الفئات، وبتحدي أساسي هو بناء آلية عمل وخطاب وجهاز إعلامي إعلاني مشترك.
كما أننا كنا في تخطيطنا قد توقعنا تحديات عديدة، أهمّها أنّ الحملة الانتخابية هي بدون خصم وترفض بوعي، أن تخلق خصمًا كي لا تقويه، (لقد نجحت الحملة، في هذا الإطار، بإلحاق هزيمة نكراء للأحزاب الصهيونية اليسارية وخصوصًا "ميرتس" والتي اتخذت الناخب العربي كجمهور هدف وكانت تسعى أن تجرنا إلى مشادات تطرح بها نفسها كبديل). كما تعمدنا عدم الانجرار وراء النقاشات السفسطائية حول المقاطعة الايدلوجية، فواجهنا المقاطعة بالمقاطعة. لم تكن، عمليًا، منافسة حقيقية في المجتمع العربي، وهذا خلق حالة غير معتادة من الهدوء في فترات الانتخابات.
الإنجازات: زيادة نسبة التصويت ورفع المعنويات وتعزيز الانتماء وقبول التعددية
إن المعطيات شبه النهائية تشير إلى أننا قد حقّقنا أهداف الحملة حيث زاد التصويت للقائمة المشتركة عن التصويت لقوائم الأحزاب العربية ب100 ألف صوت، أي بزيادة 27 %، وقد زادت نسبة التصويت للقائمة المشتركة من بين المصوتين العرب أكثر من 85 %. وحققت وعدها وهدفها واصبحت المشتركة وجمهورها القوة الثالثة في البرلمان، وهذا إنجاز عظيم نفخر به وبشعبنا الذي صنعه بإرادته.
أما بالنسبة لعدد المقاعد، فقد حصلت القائمة المشتركة على 13.6 في حساب المقاعد. لقد أثّر على هذه النتيجة النسبية، الارتفاع الحاد بنسبة التصويت عند اليهود بسبب تحريض نتنياهو على العرب، وهذه مسألة لا سيطرة لنا عليها. وسيبقى هدف الحصول على مقاعد اكثر تحديًا للانتخابات القادمة .
ما سيساعد في تحقيق هذا الهدف مستقبلا، كما أتوقع مهنيًا، هو أنّه في هذه الانتخابات نشأ نمط تصويت جديد يصوّت فيه الناخب العربي لنفسه ولانتمائه وليس لوعد انتخابي مستقبلي. لم تغرق القائمة جمهورها بالوعود. وعد القائمة المشتركة الوحيد هو بقاؤها قائمة مشتركة. بما يتضمن هذا الأمر من قوة سياسية ووحدة على كافة المستويات.
بالإضافة للإنجاز الانتخابي يبقى الإنجاز الأهم للحملة أنّها رفعت من معنويات جماهيرنا وزادت من الشعور بالانتماء الجماعي وقبول التعددية، وتجاوزت بحذر واحتوت بمسؤولية إمكانيات شقّ الصف وإثارة الخلافات واخذت الحملة اختلاف الراي والخطاب من نقطة ضعف في المودل التسويقي وحولته الى تعددية كنقطة قوة تحمل نفس الهم وتلتقي بالاهداف، ليخرج شعبنا من الحملة الانتخابية أقوى أكثر ليواجه التطرف اليميني بوحدة صفٍ محصّنة.
2024/11/05 16:34
2024/10/27 21:33
2024/10/14 13:58
2024/10/11 10:05
2024/10/10 20:48