في نظرة ثاقبة للقاء عمان الأرثوذكسي تحت شعار "نحو الحوار والوحدة" من أجل إعادة اللُحمة للوحدة الأرثوذكسية، فإنه بلا شك أن مبادرة غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثالث، بطريرك القدس وسائر أعمال فلسطين والأردن، في دعوته الأخوية لبطاركة العالم الأرثوذكسي في أواخر الشهر الماضي وحضور بطاركة ورؤساء الكنائس الأرثوذكسية وعلى رأسهم غبطة بطريرك موسكو كيريل لها دلالاتها وأبعادها الإقليمية والدولية.
نعم، لم يحضر غبطة البطريرك المسكوني برثلوميو حيث أن انشقاق الكنيسة الأوكرانية عن فلك موسكو واعتراف الكنيسة المسكونية بها باعتبارها أصبحت كنيسة مستقلة قد اوجد شرخ عميق في الكنيسة الأرثوذكسية لم نشهده من قبل، ولكن من الملاحظ، وقبل أيام من انعقاد قمّة عمّان للبطاركة الأرثوذكس، أرسل غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثالث وفداً كنسياً رفيع المستوى ضمن جهود كنيسة القدس لجسر الهوة وتقريب وجهات النظر مع البطريرك المسكوني.
والمراقب للتطورات الكَنَسية والبيان الختامي للقمة والذي دل على روح المسؤولية بين المجتمعين وتأكيدهم على المرجعية العليا للبطريرك المسكوني بين البطاركة المتساوون، بالإضافة الى الدعوة للقاء قمّة ثاني قبل نهاية هذا العام.
وتقتطف ثمار نجاح الجهود للوحدة، تجمّع رؤساء الكنائس، فإن ذلك يدل على أن بطريركية القدس هي الحاضنة والجامعة للكل، ولها الإرادة والشجاعة والرؤيا من أجل الحفاظ وحماية النسيج الكَنسي الأرثوذكسي.
وفي الحديث عن البُعد السياسي – الإقليمي للقاء عمّان، فإن لقاء جلالة الملك عبد الله الثاني، ملك المملكة الأردنية الهاشمية، مع رؤساء الكنائس في عرينه لهو تأكيد للوصاية الهاشمية على المُقدسات الإسلامية والمسيحية، وأن لقاء عمّان هو رسالة لمسيحيي الشرق بأن وجودهم وحضورهم وبقائهم في اوطانهم لهي بارقة أمل للوجود المسيحي حيث موطن المسيح.
في الواقع، غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثالث عَقَد اللقاء في عمّان ليبرق للعالم، وخاصة المسيحيين منه، الى أصل الرسالة التي خرجت من الأراضي المُقدسة، وهي رسالة رسول السلام والمحبة يسوع المسيح، مستدركاً التحديات التي تواجه الكنيسة المحلية ورعاياها، وخاصة في المدينة المُقدّسة، من طمس لتراثها وتغير لمعالمها واضعاف الإرث الكَنَسي ان لم يكن لإنهائه، ومحاولات استيلاء المستوطنين ومن يلتف حولهم على عقارات البطريركية الأرثوذكسية، وآخرها الإرث الأرثوذكسي في ميدان عمر بن الخطّاب – باب الخليل بالقرب من كنيسة القيامة.
واللافت هنا غياب بطريركية أنطاكيا عن الاجتماع، وهو غياب غير مبرر في ظل ما تمر به الكنيسة الأرثوذكسية، ونحن احوج الى الوحدة والتعاضد في ظل تعقيدات المشهد الذي تمر به كنيسة الشرق في هذه الأوقات وخاصة في مدينة قيامة المسيح. فمهما كانت المبررات والأسباب، فسيبقى الغياب سقطة كبيرة لبطريركية أنطاكيا، وصفعة للمؤمنين والصامدين والمرابطين حول القبر المُقدّس.
وفي حقيقة الأمر، فإن لقاء عمّان عُقد في العاصمة الأردنية باعتبارها ايضاً المكان الأنسب لبطريرك سوريا (انطاكيا) للمشاركة، وقد حذف برنامج الصلاة في كنيسة القيامة تفهماً من الجميع لصعوبة حضوره الى القدس. فغياب بطريركية أنطاكيا وعدم ارسال وفد كَنَسي لتمثيلها، واعتذارها في الدقيقة الأخيرة من افتتاح القمة الكَنَسية يدل على ضيق الأُفق، وعدم اتخاذ القرار الأصوب من اجل تعزيز الحضور المسيحي الأصيل في القدس.
ومن يتابع مجريات اللقاءات والحوارات التي سبقت اجتماع عمّان بين كنيسة القدس وكنيسة أنطاكيا، يدرك تماماً أن القضية التي تجمع الكنيسة الأرثوذكسية الواحدة تحت سقف القبر المُقدّس، أكبر بكثير من القضايا الخلافية، وإن وجدت هوامش هنا وهناك، فإن لقاء عمّان كان ليُعطي الدفعة القوية لإزالة الشوائب وتعزيز العمل المشترك لحماية وتعزيز الوجود الوطني الأرثوذكسي.
وعلى رجاء القيامة، نرفع صلواتنا الى العلي القدير أن يُتم إعادة اللُحمة بين رؤساء الكنائس الأرثوذكسية، وأن يُستجاب لمبادرة ورؤية غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثالث في الحوار والوحدة لخير رسالة الكنيسة، وحماية لرعاياها وأماكنها المُقدّسة وخاصة في المدينة المُقدّسة.
2024/10/27 21:33
2024/10/14 13:58
2024/10/11 10:05
2024/10/10 20:48
2024/10/10 18:36