اختتم فضا-فلسطينيّات ضد العنف حملة "إحنا صوتك"، وهي أوّل حملة نسوية حقوقيّة تتوجّه إلى المجتمع الفلسطينيّ بكافّة مكوّناته ليتحمّل مسؤوليّاته بشكل فوري على المستوى الفرديّ والجمعيّ لوقف العنف المتفاقم ضد النساء والفتيات، والذي تزايدت نسبته وحدّته خلال فترة الحجر والتباعد الاجتماعيّ في ظل انتشار كوفيد 19. توجّهت الحملة أيضا إلى النساء وشجّعت على كسر الصمت ورفع الصوت عاليا لمناهضة العنف المبنيّ على النوع الاجتماعي. انطلقت "إحنا صوتك" في بداية هذا الشهر بمبادرة جمعية "كيان- تنظيم نسوي" في حيفا، بهدف توحيد الصفوف والنضال المشترك من أجل حياة وسلامة النساء الفلسطينيات في كلّ مكان، مخترقة كافة الحدود الجيو-سياسية. واعتمدت الحملة على قاعدة حقوقيّة تستند الى أن حقوق المرأة حقوق إنسان غير قابلة للتجزئة والتأويل.
تميّزت حملة "إحنا صوتك" بوضوح رسالتها التي ناشدت الجماهير بعدم السكوت عن حالات العنف التي نشهدها وبعدم التماهي معه، ونشرت عناوين المؤسّسات وأرقام الهواتف المساعدة التي تقدّم الدعم النفسيّ والاجتماعيّ والاستشارات القانونيّة على امتداد الوطن للعديد من النساء، التي تقوم عليها المؤسّسات ومراكز الدعم الشريكة في الائتلاف. كما تميزت الحملة بشموليّتها العابرة للحدود، إذ شاركت فيها 21 مؤسّسة نسويّة وحقوقيّة من جميع أنحاء فلسطين، وعلى مدارّ ثلاثة أسابيع خاطبت الشعب الفلسطينيّ بجميع شرائحه وفئاته العمريّة مشكّلة بذلك أوّل تحالف نسويّ يكسر الحصار ويتجاوز التجزئة.
وصلت الحملة إلى ملايين المشاهدات والتفاعلات على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية، من خلال مواد ورسائل توعية وشملت ومضات ومقابلات تلفزيونية وإذاعيّة إلى جانب فيديوهات بمضامين حقوقية وبأشكال إبداعية.
أثارت رسائل "إحنا صوتك" جدلا ساخنا على وسائل التواصل. بين التيّارات الذكوريّة والأصوليّة التي تبرّر العنف وتشرّعه، وبين الحركة النسويّة والتيّارات الديمقراطيّة والمستنيرة في مجتمعنا، التي تنادي بالمساواة وترفض التمييز بكافة أشكاله، وتناهض العنف ضدّ المرأة كأساس موضوعيّ لإحقاق الكرامة والعدالة الاجتماعيّة. في خضم الاشتباك بين هذه التيّارات والاتجاهات، تجلّى خطاب الكراهيّة للنساء عبر مئات التعليقات النمطيّة المطعّمة بالكراهيّة والحقد والشتم والتخوين والتكفير، والتي وصلت حدّ التهديد بالاغتصاب للنساء المشاركات في حلقة تلفزيونيّة على فضائيّة "معا" مشكّلة بذلك سابقة خطيرة تهدّد حرّية الرأي والتعدّدية في مجتمعنا.
رغم ذلك فإن كافّة المؤشّرات أكّدت نجاح الحملة في تحقيق أهدافها، من حيث إسهامها في كسر الصمت عن جرائم العنف ضدّ النساء، حيث وصلت صفحتها العديد من الرسائل من نساء معنّفات ومن شهود على حالات عنف ضدّ النساء، وتلقّت المرشدات على الهواتف مئات الاتصالات من ضحايا العنف، وزادت مساحة الحوار المجتمعي، كما ألهمت الحملة أعدادًا متزايدة من الشباب لبلورة مبادرات مناهضة للعنف، إذ تجنّد مئات الناشطين والناشطات لدعم الحملة والدفاع عن حقّ النساء بالعيش بأمان في وطنهن، من خلال نشر مضامين الحملة والمشاركة بالجدل الدائر حولها. كما نجحت "إحنا صوتك" بتعزيز العمل المشترك بين المؤسّسات النسوية مما جعل التدخل للمساعدة ناجعا ومكثفّا ومتواصلا.
شكّلت حملة "إحنا صوتك" نقطة تحوّل نحو مرحلة جديدة تتكاثف فيها القوى النسويّة الفلسطينيّة للنضال المشترك من أجل مجتمع عادل وآمن للنساء، وتوافقت المؤسسات المشاركة في الحملة في تحليلها لخطورة ظاهرة العنف الذكوريّ الذي تواجهه المرأة الفلسطينيّة لكونها امرأة، بأنه يتشابك جدليّا مع العنف الاستعماريّ الذي يقمعها ويعنّفها يوميّا لكونها فلسطينيّة، ويصل بعنفه الذكور أيضا حيث أن الاستعمار، عبر احتلاله للأرض الفلسطينية وسياساته التهويدية والعنصرية ونظام الابارثهايد الذي يكرّسه يوميّا، يضاعف هذا العنف المبني على النوع الاجتماعي، فهو يحدث أزمات في الهويّة الذكوريّة التي صاغها النظام الابويّ وفق هندسة اجتماعيّة وترميزات ثقافيّة تضع الرجال في موقع القيادة والافضليّة في وقت يعجزون فيه عن توفير الأمن للأسرة.
وفق هذا السياق يرى "فضا" ضرورة تعزيز صمود كلّ افراد المجتمع رجالا ونساء عبر العمل الواعي، للتخلص من كافّة القيم والسلوكيّات التي تشرّع العنف ضدّ المرأة وضرورة بلورة إرادة سياسيّة جامعة للقضاء عليه.
في الختام يتوجّه "فضا" بالشكر إلى جميع من ساندوا حملة "إحنا صوتك" وساهموا في أنشطتها من النساء والرجال، ويؤكّد على الالتزام الدائم في مناهضة العنف والعمل المشترك الجاد بشتّى الوسائل من أجل تحقيق الأمن للنساء والفتيات ومعا على طريق المساواة والحرية والعدالة.
2024/10/27 21:33
2024/10/14 13:58
2024/10/11 10:05
2024/10/10 20:48
2024/10/10 18:36