مظاهرة تل ابيب أول أمس، كانت متوقعة ومفاجئة معًا. فلا فترة أصعب اقتصاديا واجتماعيا من اليوم، ولا فترة تهدد كيان آلاف الاعمال والمصالح الكبيرة والصغيرة كهذه الفترة، ولا من تهديد على لقمة العيش كما هو اليوم لآلاف العائلات من الطبقة الوسطى والضعيفة التي كانت تعاني الكثير حتى أتت ازمة الكورونا لتقضي عليها.
كلنا نعلم ان التعامل مع العمال الاجتماعيين يعكس التعامل مع كل الضعفاء، المستضعفين والمهمشين في البلاد. فبدلا من ان تقوم الحكومات بأخذ المسؤولية والدعم لبناء دولة الرفاه، تقوم على مدار السنين، بتقويض الأسس وزعزعتها ونفض يديها من المسؤولية تجاه مواطنيها في شتى المجالات.
وهنا يأتي السؤال المهم: هل هذا هو الوقت المناسب لاعلان إضراب العمال الاجتماعيين، الذي يدخل اسبوعه الثاني، في ظل أزمة الكورونا التي تضرب جميع المرافق الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وفي ظل الحاجة للوقوف الى جانب المهمشين والضعفاء ودعمهم!!؟
للإجابة على هذا السؤال هنالك اهمية لتوضيح بعض النقاط حول هوية عمل "العامل الاجتماعي":
ان تكون عامل/ة اجتماعي/ة، يعني ان تعمل مع اب عنيف يتعامل بعنف مع زوجته وابنائه. ان تلتقيه وتحاول بكل طريقه تزويده بأدوات تساعده في التعبير عن نفسه، احتياجاته، اراءه، أفكاره، دون الحاجة للتعنيف.
ان تكون عامل/ة اجتماعي/ة، يعني ان ترافق نساء معنفات، خائفات، يعملن كل ما استطعن للصمود بزواج لا يعتمد في كثير من الأحيان على اقل مستويات الاعمدة الزوجية.
ان تكون عامل/ة اجتماعي/ة، يعني ان تعمل مع فتيات وفتيان تم الاعتداء عليهم جسديا وجنسيا من اب، اخ، عم، خال، جد، جار او أي انسان غريب. ان تقوم بمرافقتهم، الاستماع الى تجاربهم، التألم لآلامهم، دعمهم، وتزويدهم بالأدوات التي تدعمهم ليستطيعوا الاستمرار في طريقهم بأقل ضرر ممكن.
ان تكون عامل/ة اجتماعي/ة، يعني ان تعمل مع ذوي الاحتياجات الخاصة من الأطفال، النساء، الرجال، والشيوخ ان تقوم بالحصول وتسهيل الوصول الى كل الخدمات الخاصة، والمتاحة لكل صاحب حاجة.
ان تكون عامل/ة اجتماعي/ة، يعني ان تعمل مع مرضى الصحة النفسية، ان تقوم بمرافقتهم، علاجهم، دعمهم وتسهيل كل حقوقهم. وان تعمل على بناء سلة خدمات نفسية، عائلية، اجتماعية، تلائمهم وتلائم احتياجاتهم وان تقوم بمرافقتهم لتحصيل حقوقهم الكاملة.
ان تكون عامل/ة اجتماعي/ة، يعني ان تعمل مع كل فرد في العائلة، مع الأولاد، مع الزوجين ومع كل أفراد العائلة معا. وان تكون لديك القدرة على رؤية الجميع والعمل لمصلحة الجميع.
ان تكون عامل/ة اجتماعي/ة، يعني ان تنظر بعيني طفل تعلم ان اخر ما يريده هو ابعاده عن عائلته لكنك تعلم أنك استنفذت جميع الإمكانيات الأخرى لحمايته.
ان تكون عامل/ة اجتماعي/ة، يعني ان تعمل في جميع اقسام المستشفيات، في ساعات غير اعتيادية، بظروف صعبة، وتعمل على تقديم الدعم والمساعدة لكل من يعاني من الازمات والصدمات للمريض ولأبناء عائلته.
ان تكون عامل/ة اجتماعي/ة، يعني ان تعمل في المؤسسات المختلفة، مثل ملاجئ الأطفال، الداخليات للفتيان والفتيات، ملاجئ النساء المعنفات، والمحاكم في وحدات المساعدة، وان تعرف ان وراء كل انسان هنالك قصة لعائلة فشلت في مرحلة معينه وبحاجة لدعمك، ايمانك، وثقتك انها ستعبر هذه الازمة الصعبة وستخطو نحو مستقبل أفضل.
ان تكون عامل/ة اجتماعي/ة، يعني ان تناضل من اجل مساواة اجتماعية للجميع، ان تحب عملك، ان تؤمن بالناس وبحبهم لك وحاجتهم اليك، الى دعمك وحبك لهم دون شروط، لا لتعمل عنهم بل لتدعمهم حتى يستطيعوا الوقوف من جديد والاستمرار في مسيرة حياتهم بقوى جديدة. ان تؤمن بنجاحك وقدرتك على صناعة التغيير. وان تؤمن بقدرتهم على الوقوف من جديد وصناعة التغيير في حياتهم.
ان تكون عامل/ة اجتماعي/ة، يعني ان تعمل مع كل الضعفاء والمهمشين اجتماعيا. وان تعلم أنك ان قررت الاضراب فلا أحد سيشعر بغيابك غيرهم. هم لا غيرهم سيدفعون ثمن غيابك.
ان تكون عامل/ة اجتماعي/ة، يعني ان تعلم أنك قد تتعرض للإصابة بعدوى تماما كالكورونا او أي فيروس ينقل من الاقتراب من المصاب، فالعمل مع النفس الانسانية يؤدي الى ما يسمى "صدمة ثانوية" تنتج من اللقاء، التواصل والعمل مع كل من يمر "بصدمة أولية". حيث ان الظواهر التي تظهر على كل من يكون بعد "الصدمة الأولية" ممكن ان تظهر تماما على أصحاب "الصدمة الثانوية". عندها يحتاج العمال الاجتماعيين الى من يدعمهم، يسندهم يفهمهم ويقف بجانبهم.
نحن أصحاب اللقب الأول والثاني والثالث، أصحاب التخصصات المختلفة، في العمل الفردي، الزوجي والعائلي، في العمل التأهيلي والعلاجي، في مكاتب الخدمات الاجتماعية وفي المستشفيات وصناديق المرضى المختلفة، في المؤسسات المختلفة والوزارات المختلفة - نحن لسنا ملائكة وعملنا ليس بعمل "مقدس"، ان تكون كل ذلك يعني ان تكون انسانا، مهنيا مع خبرة عالية ومن الدرجة الأولى.
لا يمكن ان نعمل كل ذلك ويكون المقابل المادي الأساسي لأجرنا، يتراوح بين ال 6000 - 5000 شاقل شهري فقط. لا يمكن ان نعمل بكل طاقاتنا وادواتنا لتمكين الاخرين، وان نرضى بان لا نكون متمكنين، ونأخذ ما نستحق مقابل عملنا وتضحيتنا.
طلباتنا هي:
● الدخول المشروط بوقت محدد لجدول المعاشات الإصلاحي.
● إضافة شهرية مقابل العمل في الازمات عامة وأزمة الكورونا خاصة.
● تمويل برنامج حماية لنا مع مواعيد محددة.
ليس هنالك وقت مناسب أكثر من اليوم للوقوف ووضع الثقل للدفاع وحماية الرفاه الاجتماعي؟! بدون شك اليوم وفي قمة "ازمة الكورونا" هو التوقيت المناسب للإضراب.
الناس تختنق، الخدمات الاجتماعية تختنق. والعمال الاجتماعيون يصرخون: "لا نستطيع الصمود أكثر امام الضغوطات والتراكمات".
• الكاتبة عاملة اجتماعية، مسؤولة منطقية عن العنف في العائلة في وزارة الصحة - حيفا والشمال
2024/10/27 21:33
2024/10/14 13:58
2024/10/11 10:05
2024/10/10 20:48
2024/10/10 18:36