هكذا، ومن الآخر نقول ان اجتماع مجموعة السبع في مدينة كابري الايطالية، الاسبوع الماضي، عكس نظرة عدائية واستعلائية وفيها كثير من الغباء والظلم وادارة الظهر للمعضلة الحقيقية، اذ ان مخرجات هذا الاجتماع أكدت دعم اسرائيل سياسيا و عسكريا وحتى أخلاقيا وتجنبت اي انتقادات لمواقف اسرائيل أو سياساتها، وجل ما استطاعت تلك الدول ان تصل اليه انها بصدد تخفيض الصراع فقط وليس وقفه، وان هناك ضرورة لزيادة المساعدات المقدمة للشعب الفلسطيني وهو موقف يشكل استمرارا للسياسة المنافقة والمستهترة بحياة ومستقبل من لا يملك عيون زرقاء او بشرة بيضاء.
أكثر من ذلك فأن هذه الدول التي تدعي انها الأكثر حرصا على حقوق الانسان وجودة البيئة والسلم العالمي ومستقبل البشرية ألقت باللائمة على إيران واتهمتها بالوقوف وراء خراب المنطقة العربية والاسلامية.
باختصار، فأن اجتماع كابري لم يكن على مستوى التحديات والمخاطر، و لم يهدف الى احتواء الصراعات أو عدم توسيعها، بل على العكس من ذلك تماما، كان اجتماعا فيه تهديد ووعيد و فيه تغطية وتبن للرؤية الاسرائيلية و عدوانيتها، وفيه عدم اعتراف بأصل المشاكل وجوهرها، الا و هو الاحتلال الاسرائيلي والمحاولات الدؤوبة لشطب الشعب الفلسطيني عن الخارطة.
ان ما يجري في غزة والضفة والقدس المحتلة لم يدفع السبعة الكبار الى إدانة اسرائيل أو تحميلها مسؤولية تفجر الاوضاع وتدهور الاقليم بسرعة الى مواجهات متتالية، وتجب الإشارة هنا الى ان مجموع الخطوات الأمريكية والبريطانية الرسمية اتجاه معاقبة أو محاصرة الحكومة الاسرائيلية، انما هي خطوات تهدف الى اقناعنا بالحياد والموضوعية، ولكن ذلك غير صحيح وتكذبه الوقائع التي تقول ان هناك 26 مليار دولار أقرت كمساعدة عسكرية لاسرائيل، و ان هناك تدفق للأسلحة البريطانية الى دولة الاحتلال.
السبع الكبار لم تدع الى تسوية سياسية ولم تعترف بالدولة الفلسطينية ولم تحترم رؤية الدول العربية ولم تقم وزنا للقانون الدولي، تركت كل ذلك بصفاقة عجيبة وتبنّت بالكامل رؤية اسرائيل لأزمات المنطقة وصراعاتها، ولهذا، فأن اجتماع كابري كان اجتماع غباء واستعداء واستعلاء ولا يسهم على الاطلاق بحل أي أزمة اقليمية أو دولية، و هو دليل على ان النظام العالمي الذي يقوده الغرب الاستعماري انما يشهد اسوأ لحظاته التي قد تقوده الى مواجهة لا يعلم مداها إلا الله.
هذا ما يتعلق باجتماع السبعة، أما اجتماع اللجنة السداسية العربية المتوقع انعقاده في السادس والعشرين من الشهر الجاري، فهو أيضا سيمثل الرؤية العربية الرسمية للتعامل مع صراعات المنطقة وأزماتها وعلى رأسها الحرب الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني، و هو اجتماع هام جدا لأن من المفترض حضور وزير خارجية أمريكا وهي فرصة ثمينة لتبادل وجهات النظر بين الطرفين العربي والأمريكي.
وحتى نصارح أنفسنا فأن اللجنة السداسية، ومنذ تشكلها وحتى هذه اللحظة، فأنها لم تستطع ان تكون آلية ضغط فاعلة للتأثير على مجريات الأمور ولم تستطع ان تلعب الأدوار المتوقعة منها ولم تغير شيئا من الصورة الكلية أو الجزئية. وقد رأينا خلال الأيام الماضية كيف هو السلوك الأمريكي والإسرائيلي اتجاه الأزمة الأخيرة مع ايران، و هو سلوك اتصف بالحذر والندية وحتى الخوف، وفي المقابل فاننا نرى كيف يتصرف الاسرائيلي والأمريكي مع القضايا العربية وعلى رأسها ما يجري في قطاع غزة والضفة والقدس الحتلة من فظائع ومآس .
اعتقد ان ما جرى مؤخرا بين إيران واسرائيل يجب ان يعلمنا درسا مهما جدا، و هو ان الاعتدال، وان كان في نهاية الأمر سياسة مقبولة وحكيمة، إلا انه بحاجة الى حزم وعزم وغضب. لا يكفي لاشقائنا في اللجنة السداسية ان يعربوا عن استعدادهم الدائم للمشاركة في التسوية مهما كانت غامضة أو مهما كانت استحقاقاتها، و لا يكفي ان تحاول هذه اللجنة ابعاد الحريق عن اعضائها باعتبار ان سياسة النأي والابتعاد و التجنب والاحتواء ستفيد طيلة الوقت. هناك لحظات تاريخية يكون فيها الإقدام أفضل من التريث، ويكون فيها الاندفاع أفضل من السكون.
ان ما يجري في المنطقة سيصيب الجميع بشكل أو بآخر، ولهذا فان ما نتمناه ان تضيف اللجنة السداسية على وصفة الاعتدال الأبدية بعضا من الغضب الذي يجعل من هذا الاعتدال مبررا ومفيدا.
ليس من الحكمة ان يلعب الجميع في ملاعبنا دون ان يكون لنا رأي أو موقف، وليس من الحكمة ان نسمح للآخرين باللعب فوق ملاعبنا دون ان نحدد قوانين اللعبة أو وقتها أو مداها.
2024/08/30 09:44
2024/08/10 19:15
2024/07/23 15:01
2024/07/19 17:20
2024/07/19 16:34