رأي

أسعد غانم

زيارة نتنياهو لواشنطن... وعلاقة الولايات المتحدة بإسرائيل

أربعة تفسيرات مركزية "للعلاقة" الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة، أو بالأحرى في كيفية فهم الدعم الأمريكي لإسرائيل ولسياساتها، والتي وصلت إلى مستوى غير مسبوق خلال الحرب في غزة
نتنياهو بعد إلقائه خطابه امام جلسة مشتركة للكونغرس الأمريكي في 3 آذار/مارس 2015 في واشنطن
تأتي زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، 22-24 يوليو/تموز 2024، ولقاؤه مع الرئيس جو بايدن وخطابه أمام الكونغرس كحدث مركزي في سياق الحرب على غزة. وقد ازدادت محاولات تفسير العلاقة الأميركية-الإسرائيلية، بما يشمل الصراع مع الفلسطينيين، على خلفية استمرار الحرب في غزة وبداية خلافات بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو شخصيا.
جرى التعبير الأوضح عن ذلك الخلاف بإدلاء كل من بايدن من جهة ونتنياهو من جهة أخرى، بتصريحات تضمنت نقدا حادا وواضحا للطرف الآخر. فقد أدلى بايدن قبل ثلاثة أشهر بتصريح مثير على خلفية الخلافات مع نتنياهو والحكومة الإسرائيلية حول الدخول إلى رفح وضرورة تفادي المس بالمدنيين الفلسطينيين هناك، كما في قضية اليوم التالي للحرب وانعدام رؤية إسرائيلية واضحة لذلك، حيث قال في مقابلة مع مجلة "التايم" الأميركية أواخر أبريل/نيسان 2024 إن هنالك "أسبابا للاعتقاد بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يماطل في الحرب في غزة للبقاء في السلطة"، وأتى هذا التصريح بعد أسابيع من تصريح آخر على خلفية مقتل سبعة من موظفي "المطبخ المركزي العالمي" في استهداف إسرائيلي قال بايدن بشأنه إن سياسة نتنياهو هي "خطأ"، وحثه على الموافقة على وقف إطلاق النار في غزة.
في المقابل رد نتنياهو على مواقف بايدن من خلال تصريحات تشكك فيها، وألمح إلى أن قرار تجميد وقف شحنات عسكرية إلى إسرائيل قد يمنع إمكان الانتصار على "حماس"، حيث قال في تسجيل معد مسبقا نشر الثلاثاء 18 يونيو/حزيران 2024، على محطات التلفزة الإسرائيلية: "قلت إنني أقدر الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة لإسرائيل منذ بداية الحرب... لكنني قلت أيضا إنه من غير المعقول أن تقوم الإدارة في الأشهر القليلة الماضية بحجب الأسلحة والذخائر عن إسرائيل". وقد اعتبر بعض القيادات المركزية في البيت الأبيض أن نتنياهو يحاول بتصريحاته التدخل في المعركة الانتخابية في الولايات المتحدة لصالح دونالد ترمب ضد بايدن. وأتت هذه التصريحات متناسقة مع تواتر سابق لتصريحات لنتنياهو في الموضوع نفسه، حيث رد على تصريحات لبايدن عن أن "نتنياهو يضر بإسرائيل أكثر مما ينفعها" بقوله: "أنا لا أعرف ما الذي قصده الرئيس بايدن، لكنه مخطئ... سياستي مدعومة من قبل غالبية ساحقة من الإسرائيليين، فهم يؤيدون العملية العسكرية على كتائب حركة "حماس" المتبقية، وهم أيضا يؤيدون موقفي بضرورة معارضة محاولات إجبارنا على القبول بدولة إرهاب فلسطينية".
البيت الأبيض: "نتنياهو يضر بإسرائيل أكثر مما ينفعها" | تصوير: الإعلام الحكومي
تحدي نتنياهو لمواقف بايدن وتصريحاته القوية ضد مواقف الإدارة الأمريكية، ولو أن الخلافات طفيفة فعلا ولم ترق إلى درجة الصدام أو الاختلاف الكلي في المواقف، إلا أنها ومع ترافقها مع دعوة نتنياهو لزيارة واشنطن ولقاء بايدن وإلقاء خطاب أمام الكونغرس الأمريكي، تفتح له الباب للتأثير المباشر على الأمركيين عموما، وخصوصا مع اقتراب الانتخابات الأمريكية، بما قد يخدم فرص ترمب للفوز بالانتخابات. فإن كل ذلك يستدعي إعادة التفكير في تحليل "العلاقة الاستراتيجية الخاصة" للولايات المتحدة بإسرائيل، وموضعة تصريحات بايدن وتحدي نتنياهو في سياق ذلك الفهم، والذي قد يفتح المجال لفهم أفضل لمحدودية البناء على إمكانيات تغيير في الموقف الأمريكي تجاه إسرائيل، وهو أمل (واهم) منتشر كثيرا بين المحتجين- في الولايات المتحدة وأوروبا- على سياسات الولايات المتحدة تجاه إسرائيل والصراع مع الفلسطينيين، وخصوصا في سياق الحرب على غزة مؤخرا، كما في أوساط عربية وفلسطينية وإسرائيلية تأمل في أن يفضي الخلاف إلى تعمق النقاش وربما يؤدي إلى تغييرات تؤدي إلى إزاحة نتنياهو وربما الذهاب إلى تسوية على أساس حل الدولتين.
وهنالك الكثير من المراجعات التي تعرض لـ"العلاقة الخاصة" أو الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل. عموما يمكن الإشارة إلى أربعة تفسيرات مركزية "للعلاقة" الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة، أو بالأحرى في كيفية فهم الدعم الأمريكي لإسرائيل ولسياساتها، والتي وصلت إلى مستوى غير مسبوق خلال الحرب في غزة.
التفسير الأول، هو ذلك الذي يقول إن الولايات المتحدة تعتبر إسرائيل "أداة وظيفية" تقوم بخدمة مصالح إمبريالية في الشرق الأوسط، وتمثل قاعدة متقدمة تسهل على الولايات المتحدة تنفيذ سياساتها في العالم العربي. والتفسيرات هنا ترجع إلى تطلعات أميركية بأن تكون إسرائيل قاعدة لتسيير المصالح الأمريكية في ظل تصاعد التوتر مع الاتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الثانية، وبذلك فإن إقدام الرئيس هاري ترومان على الاعتراف بإسرائيل بعد إعلانها يأتي في سياق ذلك التسابق مع الاتحاد السوفياتي على النفوذ في المنطقة. ومع صعود الأنظمة العربية القومية في مصر وسوريا والعراق وميل بعض هذه الأنظمة لطلب الدعم من الاتحاد السوفياتي، وخصوصا مع سطوع نجم جمال عبد الناصر كرئيس مصري وأحد زعماء كتلة عدم الانحياز، ومع ازدياد اعتماد أوروبا على النفط العربي، فإن أهمية إسرائيل تضاعفت كأداة لضرب الأنظمة العربية المعارضة للنفوذ الأميركي.
الولايات المتحدة تعتبر إسرائيل "أداة وظيفية" في الشرق الأوسط
في مرحلة ما بعد الحرب الباردة وتراجع مكانة روسيا، لا زالت إسرائيل بحسب هذا التحليل تضطلع بدور مهم لإضعاف العالم العربي وتقسيمه، وتناهض محاولات إضعاف النفوذ الأميركي في المنطقة، الأمر في الأساس له علاقة بصعود الصين كمتحد مركزي للنفوذ الأميركي وكمهدد لمكانة أميركا العالمية والوضع أحادي القطب الذي نشأ بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وبالطبع مع تعاظم النفوذ الاقتصادي الصيني وتصاعد التوتر في بحر الصين بخصوص مستقبل تايوان، ومع تصاعد الجهود الصينية في أفريقيا وفي المنطقة العربية، وخصوصا محاولات التوفيق بين المملكة العربية السعودية وإيران. وطبعا مع تصاعد التحدي الإيراني للولايات المتحدة ولسياساتها، بما في ذلك توسيع نفوذها ودعمها لمنظمات مسلحة في المنطقة العربية (لبنان وفلسطين واليمن والعراق وسوريا... إلخ)، وعودة جزئية للنفوذ الروسي في سوريا ومناطق عربية أخرى. هذه التطورات عمقت ضرورة اعتماد الولايات المتحدة على حليف موثوق، وإسرائيل هي المرشحة الرئيسة في الشرق الأوسط لذلك الدور. وعمليا تشكل إسرائيل، حسب هذا التحليل، قاعدة أميركية متقدمة تمد القوات الأميركية المنتشرة في المنطقة بالسلاح والغذاء، كما أنها تقوم بمهمات عسكرية مهمة لترسيخ النفوذ الأمريكي (في لبنان وفلسطين والعراق... إلخ)، بالإضافة إلى أنها تستطيع عرض نفسها كبديل لإيران في دعم الأنظمة العربية المؤيدة للولايات المتحدة، وهي فعلا تقوم بذلك بكفاءة وأثبتت نفسها في العلاقة مع دول عربية مركزية.
التفسير الثاني، معني بفكرة "المصالح المشتركة"، يقول عمليا إن ما ذكرناه أعلاه بشأن تفسير الدور الوظيفي هو صحيح لكنه ينبع ليس من دور وظيفي بحت، بل ينبع من مصالح مشتركة تجمع إسرائيل مع الولايات المتحدة، بحيث تقوم إسرائيل بتنفيذ سياسات تعبر عن لقاء مصالح مع الغرب، وليس بالضرورة من خلال تقديم خدمات للولايات المتحدة. فضرب نفوذ الاتحاد السوفياتي سابقا، وضرب الأنظمة العربية المناوئة للغرب واتباع سياسات ضد النفوذ الإيراني ومتابعة الفصائل والجماعات التي تحصل على دعم إيراني، كما المساهمة في تأمين خطوط المواصلات البرية والبحرية والجوية، كلها مصالح إسرائيلية تتعاون إسرائيل مع الولايات المتحدة وبالعكس، على تأمينها لكونها مصالح مشتركة، وليس من قبيل الدور الوظيفي فقط.
التفسير الثالث، مرتبط بقوة اللوبي الداعم لإسرائيل في الولايات المتحدة. ويركز هذا التفسير على أن اللوبي الداعم لإسرائيل له قوة استثنائية في مراكز اتخاذ القرار في الولايات المتحدة، وأن هذا اللوبي، الذي يشمل يهودا وغير يهود، يتمثل بشكل عيني في منظمة "الإيباك" إلا أنه يتعداها كثيرا ليشمل أفرادا ومجموعات تلتقي على دعم إسرائيل وأجندتها، في الولايات المتحدة وخارجها.
وقد كتب الكثير في هذا التفسير، إلا أن العمل الأكثر تأثيرا في شرح تأثير اللوبي المساند لإسرائيل هو كتاب جون ميرشهايمر من جامعة شيكاغو وستيفان والت من جامعة هارفارد "اللوبي الإسرائيلي والسياسات الخارجية للولايات المتحدة" والذي صدر عام 2007. ولأهمية الكتاب فقد ترجم لعدة لغات وكان موضوعا للكثير من المراجعات النقدية. وبحسب كتاب ميرشهايمر ووالت، فإن إسرائيل تحظى بدعم دبلوماسي ثابت من واشنطن، التي تقف دائما إلى جانب إسرائيل في النزاعات الإقليمية. لكن الأهم من ذلك أن هذه العناصر المختلفة من الدعم تُمنح لها دون شروط تقريبا. وبعبارة أخرى، تحظى إسرائيل بدعم أمريكي حتى عندما تقوم بأشياء تعارضها الولايات المتحدة، مثل بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة. ونادرا ما تنتقد تصرفات إسرائيل من قِبَل المسؤولين الأميركيين، وبالتأكيد ليس من قِبَل أي شخص يطمح إلى تولي مناصب عليا. وأخيرا، فإن جوانب رئيسة من السياسة الخارجية الأميركية تُدار بهدف جعل إسرائيل أكثر أمنا. ومع ذلك فإن أسباب العلاقة الخاصة كانت موضوعا محرما داخل مجتمع السياسة الخارجية السائد، حتى بعد أن ألقت هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 الضوء الساطع على موقف أميركا المضطرب في الشرق الأوسط. 
تفسير المكانة الخاصة لإسرائيل والعلاقة الاستراتيجية للولايات المتحدة معها يعود إلى قوة "اللوبي الإسرائيلي" أكثر من أي عامل آخر، هذا اللوبي هو عبارة عن مجموعة كبيرة من القوى والأفراد والمؤسسات على أنواعها، وكلها تعمل بحسب منطلقات وتفسيرات متعددة لخدمة ما تراه الدفع للحفاظ على مصالح إسرائيل واعتبارها أولوية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، إلى درجة لم تعد الولايات المتحدة تحاول التفكير أصلا في جدوى هذا الدعم أميركياً. 
وقد وصلت قوة هذا اللوبي إلى أبعاد تتعلق بتحديد سياسات الولايات المتحدة ومواقفها في قضايا أساسية تتصل بما يعتبره اللوبي ذا صلة بإسرائيل، وقد يكون في قضايا داخلية أو خارجية، بما في ذلك تحقيق تطلعات سياسيين للبقاء في مراكزهم أو اختيارهم لمناصب كمنتخبين أو كموظفين كبار في السلك العام بالولايات المتحدة. وفي هذا أكد مارشهايمر ووالت موقفهما من خلال الإشارة إلى نجاح اللوبي الداعم لإسرائيل مرات عديدة بما يكفي لتوضيح الأمر لمعظم الساسة بأنهم يخاطرون بحياتهم المهنية إذا ما اعتبروا مناهضين لإسرائيل.  
باختصار، يسيطر اللوبي المساند لإسرائيل على الكثيرين في أروقة القرار الأمريكي، وخصوصا في قضايا مهمة لإسرائيل، وبذلك فإنه يمنع اتخاذ أية إجراءات عينية وجدية ضد السياسات الإسرائيلية، بما في ذلك في مسألة إنهاء الاحتلال وإزالة المستوطنات أو أية قضايا مفتاحية أخرى، إلى درجة أن ميرشهايمر ووالت اعتبرا أن قوة اللوبي الإسرائيلي أصبحت تسيء للولايات المتحدة أولا، وتضر بالمصالح الموضوعية لإسرائيل من ناحية أخرى.
يسيطر اللوبي المساند لإسرائيل على كثيرين في أروقة القرار الأميركي، وخصوصا في قضايا مهمة لإسرائيل، وبذلك فإنه يمنع اتخاذ أية إجراءات عينية وجدية ضد السياسات الإسرائيلية
التفسير الرابع للعلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل هو ما أسميه "التفسير الثقافي"، وهو تفسير يقول إن العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل وبالأساس التعامل الأميركي مع إسرائيل يرتبط بوجود واحدة أو أكثر من المركبات التالية، أو كلها معا...
أولا، وجود "قيم مشتركة بين البلدين" وعادة ما تتم الإشارة إلى الثقافة الديمقراطية والليبرالية واقتصاد السوق، وغيرها من القيم، كما تتم الإشارة إلى "التاريخ المشترك من المغامرة وتطوير البلدان المعدمة والمتخلفة بحيث تصبح صالحة ومفيدة للبشرية وتطورها"... الخ.
مظاهرات في اسرائيل مطالبية بصفقة تبادل | الأناضول
ثانيا، العلاقة أو المركب اليهودي- المسي

bar_chart_4_bars مقالات متعلقة

الضفة: لا إجلاء مؤقت ولا نزوح مؤقت

2024/08/30 09:44

عن خطأ إسقاط التجربة الجزائرية على التجربة...

2024/08/10 19:15

نتنياهو يلجأ الى الضبابية - ماذا يريد من...

2024/07/19 17:20

صفقة التبادل في مهب السياسة الداخلية في...

2024/07/19 16:34

الطبيب الفلسطيني واقتتال المنظومات...

2024/07/03 15:47