رأي

أمير مخول

على وقع عملية رفح وموقف واشنطن: طريق التهرّب مسدودة

كان لافتا الاهتمام الاسرائيلي بالتشديد على "صورة الانتصار". فقد شكلت تظاهرة رفع العلم الاسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معبر رفح مدى اهتمام حكومة نتنياهو بالصورة في مسعى للترميم المعنوي واستعادة الهيبة امام الجمهور الاسرائيلي
اهتمام اسرائيلي بالتشديد على صورة الانتصار | تصوير: إعلام الجيش

بوصولها الى معبر رفح والسيطرة على الجانب الفلسطيني منه تكون اسرائيل قد انجزت سيطرتها على قطاع غزة، ومن دون اجتياح مدينة رفح واحتلالها ودون تحقيق "النصر على بعد خطوة" الذي بات ملازما لكل خطابات نتنياهو.

وفقا للرواية الاسرائيلية فإن العملية "المحدودة" بالسيطرة على القسم الشرقي من المدينة وأخلائه من نحو مائة ألف من النازحين الممنوعين من العودة للشمال، والسيطرة العملياتية على معبر رفح، قد تم وفقا لمعايير المتاح امريكيا، وقد أعلن بايدن (8 ايار) بأن العملية بحدودها الحالية لا تشكل انتهاكا للخطوط الحمراء الامريكية، ولن تمس بالأمن القومي المصري. كما ان الاجماع في كابنيت الحرب جاء ليدعم هذا الادعاء نظرا لكون الاغلبية فيه تفضل الصفقة.

اعتبارات نتنياهو واولوياته مختلفة عن تلك الأمريكية

تداعيات موقف بايدن

خلق القرار الامريكي بايقاف تزويد اسرائيل بالذخائر الهجومية الذكية في حال اجتياحها الواسع للمدينة، حالة من الاضطراب والتوتر على الساحة السياسية الحزبية في اسرائيل ومقابل حكومة نتنياهو التي اعتبرت ان العملية لا تتجاوز المحاذير الامريكية. وهناك من اعتبره حاجة سياسية لدى ادارة بايدن ضمن انتخابات الرئاسة، وهناك من اعتبر ان هذه الذخيرة اصلا ليست مطلوبة لاحتياجات الحرب على غزة، بل "لجبهات اخرى"، بينما ذهب داني ايالون السفير السابق لتل ابيب لدى واشنطن بالتقدير بأن المسعى الامريكي جاء لدفع حكومة نتنياهو للحسم في مسألة اليوم التالي للحرب بما يتجاوب مع الاولويات الامريكية وتصورات بايدن "الذي يرغب بشدة في استمرار خطته الكبرى تجاه المملكة العربية السعودية، والتطبيع والشرق الأوسط الجديد، لعزل إيران واستبعاد روسيا والصين".

 يبدو اعلان بايدن في جانبه مضللا واستهلاكيا، فهو يأتي ضمن تأكيد بايدن على الالتزام المطلق بأمن اسرائيل ومدها بالسلاح وبالدعم العسكري، وإسرائيل تملك ترسانة هائلة من الاسلحة الفتاكة الامريكية الصنع وذاتية الصنع، استخدمتها في جميع انحاء قطاع غزة وذهب ضحيتها أكثر من مئة ألف من القتلى والجرحى والدمار الشامل لمقومات الحياة. ووفقا للمحلل العسكري يوسي ميلمان فإن اسرائيل قد تلقت منذ بداية حربها 370 شحنة اسلحة بالطيارات و65 شحنة بالسفن معظمها امريكية. ومع هذا كان لافتا رد الفعل الاسرائيلي باعتبار القرار الامريكي "يعوّق محادثات الصفقة". رغم ما ذكر فقد شكل اعلان بايدن هزة في السياسة الاسرائيلية، وذلك خشية من اتباع دول اخرى اوروبية حصريا هذا المبدأ، ومن المظاهرات الطلابية العالمية التي ترفع ضمن شعاراتها ومطالبها مقاطعة اسرائيل ووقف مدها بالمساعدات العسكرية، وكذلك خشية من زيادة عزلة اسرائيل امام المساءلة الدولية دون غطاء امريكي، في المقابل أذكى نار الصراع السياسي الحزبي الاسرائيلي الداخلي، لكن بعيدا عن حسمه.

نتنياهو واجه معضلة كبيرة حين وافقت حماس على المقترح

مأزق نتنياهو

اعتبارات نتنياهو واولوياته مختلفة عن تلك الامريكية، واعتبر الكثير من المحللين الوازنين بأن نتنياهو واجه معضلة كبيرة حين وافقت حماس على المقترح المصري القطري الامريكي وبموافقة إسرائيلية من قبل، وسعى لنزع شرعية المقترح واعتبره "مقترح حماس" وان مبتغاه "دق الاسافين" بين اسرائيل والوسطاء وداخل اسرائيل.  بل يضع نتنياهو ذاته في وضع حرج امام التزاماته للإسرائيليين، وادخله في ضائقة "تفضيل الصفقة على ائتلافه" الحاكم. كما وجد نفسه في سباق مع الوقت ونحو اتخاذ خطوة توقف المسار بمجمله، فانتقل من النقاش حول تفاصيل الصفقة الى النقاش حول مجمل الصفقة واطارها سعيا لإعادة الامور الى نقطة البداية، وهو ما يفسر الغضب الذي عبر عنه مسؤولون مصريون دون ذكر الاسم. وباتهامهم لنتنياهو بأن مقابل كل اعتدال في موقف حماس يسعى الى تعقيد الامور بهدف نسف امكانيات الصفقة. 

في العملية الاخيرة كان لافتا الاهتمام الاسرائيلي من قبل الجيش والحكومة بالتشديد على "صورة الانتصار". فقد شكلت تظاهرة رفع العلم الاسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، وإزالة الرموز الفلسطينية، وكل ذلك بالصورة والتوثيق الاعلامي، مدى اهتمام حكومة نتنياهو بالصورة في مسعى للترميم المعنوي واستعادة الهيبة امام الجمهور الاسرائيلي.

لقد اعتبر الاعلام اليميني وحصريا القناة 14 والى حد كبير القناة الأولى "كان"، بأن اسرائيل قد استعادت زمام المبادرة وروح الحرب القتالية، وسعت الى الترويج لرئيس الحكومة لدرجة التبجيل به باعتباره "الوحيد القادر فعليا على الصمود في مواجهة الضغوطات الامريكية"، وبأنه أسقط من يد حماس القدرة على تبيان قدرتها على المبادرة.

إطار التفاوض حول الصفقة يشير الى رؤية ادارة بايدن بأن الحرب قد بلغت مداها | تصوير: إعلام الجيش

وفي حين تدعو وسائل اعلام اقصى اليمين لتصعيد الحرب والاجتياح الكامل لرفح وتحدي ادارة بايدن، باعتبار اللحظة فارقة ومفصلية، بينما كانت تكفي محادثة بايدن ونتنياهو (7/5) ليعاد فتح المعبر وبدلا من النشوة الاعلامية اليمينية عادت لهجة الانتقاد للحكومة. انقسم الراي العام الاسرائيلي في اعقاب الاجتياح الجزئي لرفح، فقد اعتبرها أقصى اليمين كما تصريحات نتنياهو بأن توسيع الاجتياح واحتلال المدينة والسيطرة على المعبر وعلى ان يليه السيطرة على محور فيلادلفي، بأنه الانتصار الكبير ونقطة التحول المعنوي الاهم في الحرب. في المقابل شكك العديد من المحللين بمقولة الانتصار وبأهمية رفح استراتيجياً لإسرائيل. واعتبر تسفي بارييل في هارتس وجود اصطفافات سياسية وايديلوجية وراء كل من الموقفين من احتلال رفح، مشيرا الى ان الموقف من اجتياح رفح هو ما سيحسم الامور سياسيا داخليا حول طبيعة اسرائيل المستقبلية.  اذ أصبح دعم احتلال رفح سمة أيديولوجية يمينية، تلك التي تكون فيها للدولة الأسبقية على مواطنيها، ومعتبرين ان عدم احتلال رفح هو الهزيمة بعينها.

كان حرج نتنياهو كبيرا في اعقاب قرار حماس بالمصادقة على الصيغة التي وافقت اسرائيل عليها من قبل، الا ان نتنياهو اعتبر موافقة حماس "بعيدة جدا عما تقبل به اسرائيل". كما وسعى ومعه الاعلام الاسرائيلي الى تسويقها السلبي باعتبارها "صيغة حماس" وليست صيغة الوسطاء وباطّلاع وموافقة اسرائيل حين كانت حماس لا تزال تتحفظ على بنود منها، والاكثر حساسية بين الطرفين كانت مسألة وقف الحرب، او كما جاء في الصيغة الجاسرة للخلاف باعتماد صيغة "مستدام" بدلا من "الدائم"، بالإضافة الى ربط مسألة عودة النازحين الغزيين ومراحل انسحاب الجيش الاسرائيلي بمراحل الصفقة المتقدمة ولغاية المرحلة الثالثة المطروحة.

الخلاصة:

• لا يبدو ان نتنياهو وحكومته قادرين على اعادة فتح إطار الصفقة والمحادثات، على الاقل في المرحلة الاولى منها، وقد يكون قادرا على وضع العراقيل امام المرحلة الثانية، إذا ما كانت تطورات تتيح له ذلك، الا ان المنحى هو عدم القدرة على وقف المراحل التالية وقد يكون من دلالات السيطرة على معبر رفح وشرق المدينة مؤشرا لسباق حكومته مع الوقت تحسبا لإنهاء الحرب.

• يشير إطار التفاوض حول الصفقة الى رؤية ادارة بايدن بأن الحرب قد بلغت مداها حتى وان لم تدع الى وقف إطلاق النار الملزم. كما تؤكد التطورات بأن غزة كما قضية فلسطين هي مسالة متعددة الاطراف دولياً، ولا يمكن تركها للمستوى الثنائي الذي تهيمن فيه اسرائيل.

• التنسيق العربي منح الموقف العربي والفلسطيني قوة قائمة على النديّة مع الولايات المتحدة وجعل الاثر الاسرائيلي يتراجع اقليميا ودوليا.

bar_chart_4_bars مقالات متعلقة

الضفة: لا إجلاء مؤقت ولا نزوح مؤقت

2024/08/30 09:44

عن خطأ إسقاط التجربة الجزائرية على التجربة...

2024/08/10 19:15

زيارة نتنياهو لواشنطن... وعلاقة الولايات...

2024/07/23 15:01

نتنياهو يلجأ الى الضبابية - ماذا يريد من...

2024/07/19 17:20

صفقة التبادل في مهب السياسة الداخلية في...

2024/07/19 16:34