رأي

د. أحمد رفيق عوض

لماذا عجز اشقاؤنا العرب عن إنقاذنا حتى الآن؟

لا يمكن لنظام عربي ان ينقذنا كما ينبغي بينما يقيم شبكة علاقات متعددة مع كثير من القوى الكبرى التي تدعم اسرائيل وتعمل على ابقائها متفوقة على الإقليم بكل ما فيه
جامعة الدول العربية | أرشيفية

يميل العقل الكسول الى ان يبسّط الإجابة ويختزلها للرد على هذا السؤال الوارد في العنوان. مثل هذا العقل لا يرغب ان يرى الصورة بكامل ابعادها، بل يحاول ان يجد سببا واحدا و مباشرا و سريعا للإجابة، فالأشقاء العرب عاجزون عن مساعدتنا وانقاذنا مما نحن فيه لأنهم متعاونون ومتخاذلون و جبناء، و هي إجابة تكفي رغم ما فيها من عاطفة طفولية ورغبة في الإهانة وجلد الذات وإدارة الظهر للعالم، و لكن ذلك لا يكفي حقًا - لا تكفي الإهانة والجلد ولا الرفض ولا البكاء ولا استثارة الهمم أو النخوة.

"الأنظمة العربية قادت نفسها الى شباك القوى الكبرى وشبكاتها الأمنية والسياسية"

الأشقاء العرب، وعلى الرغم من مواقفهم التي نستنكر بعضها ونرفض بعضها الآخر ونعتقد جازمين ان بعض سياساتهم لا تؤدي الى المطلوب منها حتى لأهلها، إلا انهم، للحقيقة، أوقعوا انفسهم في منطقة العجز ومنطقه، وقادوا انفسهم طوعًا أو كرهًا الى شباك القوى الكبرى وشبكاتها الأمنية والسياسية، ذلك ان معظم الأنظمة العربية الشقيقة تعاني من الفقر والبطالة والديون واشكالية العلاقة بين الحاكم والمحكوم ومن التهديدات الداخلية والخارجية ومن تعطيل القوى المدنية الفاعلة ومن الاستئثار بالحكم والقرار والتفرّد في السلطة والثروة، وهي نقاط ضعف تستغلها القوى الكبرى وغير الكبرى لابتزاز تلك الانظمة، بحيث تبدو  على شفا حفرة من كل شيء: السقوط السياسي والهزيمة العسكرية والتفكك المجتمعي والانقسام الجغرافي.

يبدو النظام العربي في معظمه لم يحسم مضامينه أو مقولاته، ولم يقدم المقولة الجامعة ولا السياسة الضامة ولا الخطة الناجعة، ولم يحوّل النظام العربي في معظمه الدولة الى ان تكون هي الفاعلة والقادرة، بل ما تزال الدولة العربية احدى المقترحات وليس آخرها أو قاسمها المشترك، ولهذا فأن النظام العربي يخاف من التقسيم الجغرافي والطائفي والعرقي والديني والسياسي.

"بعض هذه الأنظمة وجدت في التطبيع مع اسرائيل حل لمشاكلها الداخلية وضمانة لبقائها"

 ورغم الثروات لدى البعض منها فأن ذلك لم يحوّلها الى نموذج حديث للدولة بقدر ما جعلها اكثر استهلاكية وأقل انتاجية، بمعنى ان تتجمّل بالحداثة دون ان تصل الى عناصر الحداثة و مكوناتها. 

يمكن القول ان النظام العربي، وخصوصا بعد الربيع العربي، يضطر الى ان يراجع ذاته من جديد ويضطر الى اعادة تقييم فكرة الدولة أصلا، ذلك ان مفهوم الدولة العربية الحديثة يتراجع لصالح مفاهيم ما قبل الدولة والى مستويات أمنية واستحواذية لطغم متعددة.

ما علاقة ذلك كله بالسؤال المطروح: لماذا عجز اشقاؤنا العرب عن انقاذنا مما نحن فيه من عذاب وظلم وتشريد ومحاولات شطب وتغييب؟!

للإجابة على ذلك بكل صراحة فأن بعض هذه الانظمة الشقيقة وجدت في التطبيع مع اسرائيل حل لمشاكلها الداخلية وضمانة لبقائها وسببا للرضى عنها وغض البصر عن تجاوزاتها امام ما يطلق عليه زورًا وبهتانًا المجتمع الدولي. والتطبيع مع اسرائيل، بالتجربة الفعلية، اثبت انه ليس ضمانة لشيء و لم يشكل حلاً للأزمات الداخلية، بل على العكس من ذلك، اصبح التطبيع احدى القضايا الجدلية في تلك الأنظمة، ولكن التطبيع أدى الى تقنين العلاقة مع الشعب الفلسطيني وتحديد الوسائل لدعمه ومساعدته وأدى أيضا الى زيادة مسائلته وحصاره وانتقاده.

"لا يمكن لأي نظام مهما كان ان ينتصر دون ان يُعيد تشكيل علاقته مع جمهوره"

أكثر من ذلك، فان التردّي السياسي والضعف الاجتماعي و غياب الرؤية الشاملة الأمنية والاقتصادية للإقليم العربي أضعف كل الانظمة العربية وتركها مكشوفة واغرقها في صراعات ثنائية واحلاف متعارضة وأغرى بعضها في ان ينوب عن قوى أخرى في حروب وكالة بغيضة وبشعة لم تؤد إلا لمزيد من الضعف والتهتك والتفكك.

 كان من الغريب ان السنوات العشر السابقة شهدت حروبًا عربية - عربية غير مسبوقة، ولهذا لم يكن من المستغرب ان تنتهز اسرائيل الفرصة لشن حروب متعددة على الشعب الفلسطيني، ولم يكن من المستغرب ان تحاول إيران في ذات الفترة أيضا ان تتقدم بحذر ولكن بثبات لتطوير برنامج نووي غامض.

باختصار، الأنظمة العربية في معظمها في حالة اضطراب وجدل وتهديد، وفي حالة بحث عن اتجاه ومضمون ومقولة وسياسة - الأنظمة العربية تبحث عن امكانات وملاذات للأمان والتحالف الضامن مع قوى متصارعة لا ترى في قضايانا أهمية إلا بما يخدم مصالحها.

"مفهوم الدولة العربية الحديثة يتراجع لصالح مفاهيم ما قبل الدولة"

أخيرًا، لا يمكن لنظام عربي ان ينقذنا كما ينبغي بينما يقيم شبكة علاقات متعددة مع كثير من القوى الكبرى التي تدعم اسرائيل وتعمل على ابقائها متفوقة على الإقليم بكل ما فيه، وهذا يعني انه لو كانت هناك نوايا حسنة ودوافع مصلحية أخرى للنظام العربي لتقديم العون للشعب الفلسطيني، فان ذلك سيصطدم بحائط من العجز وقلة الخيارات وانعدام القدرات.

 ما الحل اذن؟! 

الحل برأيي هو ان يعيد النظام العربي تعريفه لذاته وعلاقاته واهدافه ومرجعياته، فالنظام لخدمة الوطن والمواطن وليس لخدمة طغم معينة مهما كانت هذه الطغم تمتلك من الشرعية أو الأحقية أو الوهم الشيء القليل أو الكثير .

لا يمكن لأي نظام مهما كان ان ينتصر دون ان يُعيد تشكيل علاقته مع جمهوره على أساس المشاركة الحقّة في القرار والفعل وتشكيل المجتمع.

● الكاتب رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية - جامعة القدس

bar_chart_4_bars مقالات متعلقة

الضفة: لا إجلاء مؤقت ولا نزوح مؤقت

2024/08/30 09:44

عن خطأ إسقاط التجربة الجزائرية على التجربة...

2024/08/10 19:15

زيارة نتنياهو لواشنطن... وعلاقة الولايات...

2024/07/23 15:01

نتنياهو يلجأ الى الضبابية - ماذا يريد من...

2024/07/19 17:20

صفقة التبادل في مهب السياسة الداخلية في...

2024/07/19 16:34